05-09-2008, 04:19 PM
|
عضو نشيط
|
|
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 197
معدل تقييم المستوى: 55
|
|
ما معنى: ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك؟
هذا لسؤال لاحد السائلين سأله لأحد المشايخ في الشبكة الاسلامية
وقد كانت الاجابه:
فإن هذه العبارة التي أشرت إليها وهي أن الله جل وعلا صفته على مستقبل العبد هي صفة كاشفة وليست مؤثرة هي عبارة خطأ لفظًا ومعنى، فإن معنى هذه العبارة أن الله جل وعلا لا تأثير له على أفعال العباد وإنما فقط يكشف ما سوف يفعلون وسوف يقومون به وذلك عند ظهور هذه الأفعال منهم، وهذه العبارة خطأ قطعًا بل هي مخالفة لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه الصحابة والتابعون إليهم بإحسان – رضوان الله عليهم أجمعين - .
فإن قلت: فما الصواب إذن؟ فالجواب: إن الصواب أن الله جل وعلا هو الذي يقدر كل ما يقع في هذا الكون، فلا يقع في هذه الدنيا شيء إلا بقدر من الله؛ قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}. وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً}. فلاحظ قوله جل وعلا {خلقناهُ } أي أنه هو الذي يخلقه؛ إذن فهو الذي قدَّره وهو الذي يخلقه أيضًا، وهذه حقيقة الإيمان بالقدر وهي أن تؤمن بأن الله جل وعلا قدَّر المقادير قبل أن يخلق الناس بخمسين ألف سنة كما ثبت ذلك في الصحيح ثم بعد ذلك إذا أراد الله جل وعلا أن يخلق الفعل خلقه فصار موجودًا بعد أن كان مقدَّرًا فقط..
فحصل بهذا أن الله جل وعلا قد قدر جميع أفعال الخلق وأنه جل وعلا هو الذي يخلقها، فلا يقع شيء في الكون إلا من خلق الله جل وعلا. فإن قلت: فأنا هل لي تصرف وهل لي اختيار؟ وهل أنا إذا قمت بالشيء قمت به حقيقة؟ فالجواب: نعم فكل ما قد قمت به فقد فعلته حقيقة، وهذا لا يتنافى مع كونه مقدرًا من الله جل وعلا ومخلوقًا له. فإن قلت: اشرح لي هذا المعنى وبيِّنه لي؟ فالجواب: يتضح لك بهذا المثال:
فلو أن رجلاً مرض وكان باستطاعته أن يأخذ الدواء، ثم قال في نفسه لماذا آخذ الدواء فإن كان الله مقدرًا لي أن أُشفى فسأشفى ولو لم آخذ الدواء، وإن كان الله جل وعلا لم يقدر لي أن أُشفى فلن أشفى حتى ولو أخذت الدواء؛ إذن فلا داعي أن آخذ الدواء أصلاً ولا داعي لأن أسعى.. فما رأيك في هذا الكلام؟
والجواب: إنه قد أخطأ بلا ريب لأنه جعل الأمر دائرًا بين أمرين اثنين وترك الأمر الثالث الحق، وهو أن الله جل وعلا قد قدر أنه إن أخذ بالأسباب بحيث أخذ الدواء فإنه قد يشفيه جل وعلا، وإن لم يأخذه فإنه قد لا يشفيه جل وعلا، وليتضح لك صورته أكثر نضرب لك مثالاً ثانيًا ليستقر الأمر في نفسك تمامًا:
فلو أن رجلاً أراد الذرية وأحب أن يكون له ولد منه ثم بعد ذلك نظر؛ فقال: إن كتب الله لي أن يكون لي ولد فسيكون لي سواء تزوجت أم لم أتزوج، وإن لم يكتبه فلن يأتيني حتى ولو تزوجت. فما رأيك في هذا لكلام؟ فالجواب يقال فيه ما قيل في المثال الأول: لقد ترك الأمر الثالث الحق وهو أن الله جل وعلا قد قدر أنه إن أخذ بالسبب فإنه يعطيه الولد وإن لم يأخذ به فإنه لم يؤته الولد، وبهذا تعلم أنه لا تعارض بين الإيمان بالقدر وبين أن تأخذ بالأسباب. ولنأتي إذن على مثالك ومسألتك التي سألتها:
فالله جل وعلا قد قدَّر أنك إن أخذت بالأسباب وذاكرت وحرصت على تحصيل العلوم النافعة فإنك بإذن الله عز وجل ستنجح في دراستك وإن أهملت ذلك ولم تلتفت إليه ولم تذهب مثلاً إلى الامتحان ولم تسع فيه فإنك لن تحصل النجاح في دراستك، فثبت بهذا أن قدر الله جل وعلا لا يتنافى مع الأسباب ومع الأخذ بها، وبهذا تعلم أن كل ما يقع في الكون هو من قدر الله ومن خلق الله وهو في نفس الوقت فعل حقيقة للإنسان، فالإنسان فاعل لفعله حقيقة وله القدرة على الاختيار بين الخير والشر، ولكن كل ذلك يجري بقضاء الله وقدره فلا تعارض إذن بين الأخذ بالأسباب وبين الإيمان بالقدر، وبهذا يتضح لك حديث النبي صلوات الله وسلامه عليه: ( ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك ) فإن هذا لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب، ولذلك لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيحين فقيل له: ألا ندع العمل ونتكل على ما قُدِّر؟ فقال - صلوات الله وسلامه عليه -: ( اعملوا فكلٌ ميسَّرٌ لما خلق له، فمن كان من أهل السعادة فسييسر إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر إلى عمل أهل الشقاوة ) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
فنبه صلوات الله وسلامه عليه على أن الإنسان يأخذ بالأسباب وأن الله جل وعلا سييسر لما قد قدره له، ولكن عليه أن يأخذ بالأسباب، فبهذا قد استقر أن الأخذ بالأسباب هي من قدر الله عز وجل، والذي يوضح لك هذا الأمر جليًّا وظاهرًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم – سُئل فقيل: يا رسول الله: أرأيت رقىً نسترقيها ودواءً نتداوى به وتقاةً نتَّقيها هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: (هي من قدر الله) أي أن هذه الأسباب هي أيضًا من قدر الله، فإذا جعت فأنت تجوع بقدر الله وإذا أخذت بالسبب فأكلت الطعام لتدفع الجوع فقد أكلت بقدر الله أيضًا، وبهذا يتضح لك المعنى وهو أنه لا تعارض بين الأخذ بالأسباب وبين الإيمان بقضاء الله وقدره، ونسأل اللهَ عز وجل أن يتولاكم برحمته ويرعاكم بفضله.
وبالله التوفيق.
|