13-06-2013, 07:37 PM
|
عضو جديد
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 24
معدل تقييم المستوى: 497
|
|
الوصل والقطع
الوصل والقطع إبراهيم العسعس - 2007-07-30
القطعُ كلُ أحدٍ يُحسنه ، أما الوصل فلا يُـتـقنه إلا المحسنون . الأول لا يحتاج لأكثر من سكينٍ ماضٍ ، ويـدٍ قـوية ، ثمَّ انظر كم ستـقطع من حبال الوصل . والثاني ـ الوصل ـ قد يحتاج لمئة عاقل كي يعقدوا خيطاً رفيعاً .
ولكن ... قـد تـتـبدلُ الأدوار ، فيأخذ القطعُ دورَ الوصل ، من حيثُ الصعوبة ، ومن حيث الاتقان ، ومن حيث لزومه ! وهذا من أدقِّ فـنون العلاقات ! ذلك عندما تـتحول العلاقة إلى شيءٍ كالشوكة في الحلـق ، تُـلـقيك في حَـيْرة ، بَـلْعُـها ألم ، وأخراجها آلام . وقد يضطر طبيب العلاقات الى التوصية بقطع الرأس ! وهو باب واسع أيضاً ، لا يستطيع وُلوجُه فضلاً عن فهمه ، إلا المُحلِّـقـون .
كلُّ أحدٍ يستطيع الـتـفريقَ بين الأبيض والأسود ، حتى المُصاب بعمى الألوان ، أما السباحة في المنطقة الرمادية فتحتاج للغواص . ولأوضح نفسي أكثر : تُـرى هل يُـثني على الكِبر عاقل ؟! جوابكم بسرعة البرق سيكون : لا . فإن قلتُ لكم إنَّ أهل الحكمة قالوا : الـتكبر على المتـكبر تواضع ! فماذا ستـقولون ؟ هـذه اللحظة التي يتـقمَّص فيها الكِبْـر صورة التواضع ، ويستعير حكمه ، ويلبس فضله ، في لحظة من الزمن ، ثم يعود كلٌّ إلى مكانه ، هذه اللحظة من يكـتـشفها ؟ ومن يُـقدِّرها ؟ ومن يُمارسها ؟ لن أجيب ، سأدعكم تفكرون معي .
تأخيرُ مَن حـقُّـه الـتـقـديم ، لا يـقـلُّ خـطورةً وخطأ عن تـقديم مَن حـقُّه التأخير . ولكن هنا تنبيه مهم ، لماذا نُصنِّـف هذه القاعدة تحت بند المدح والذم ؟! فالمؤخر مذموم ، والمقدم ممدوح ! الأمر ليس كذلك ، فنحن لا نتكلم عن القطع ، ألم نقل بأنه سهل وكل أحد يتقنه ؟ المشكلة في الوصل ودرجاته . نعـم ... فالـوصل درجات ! بالمناسبة مشكلـتنا ـ وهي مشكلة منهجية تنعكس على كلِّ شيء ـ أننا نهرب من التفصيل ، مع أن الله أنزل لنا الميزان ، ولم يكتف بالكتاب والحق ، والميزان هو الـتـفصيل ، أي إعطاء كل شيء وزنه الخاص به بلا خلط . وهكذا فالعلاقة عندنا قطعة واحدة ؛ إما توحد لا يحتمل أي انعتاق ، وإما انفصال لا لقاء معه ! ومرة أخرى نرجع إلى الحبيب ، وهل نستطيع ألا نفعل ؟ كيف وصيدليته مليئة بكل خير صلى الله عليه ، ألم تسمعه يقول : أتركوا لي صاحبي ، يقصد أبا بكر رضي الله عنه ، ومَن يُخاطب بهذا الحسْم ؟ أليس يخاطب أصحابه ؟ بلى ، ولكنه يريد أن يقول : أبو بكر صحبةٌ خاصة ، قريبة ، وللتوضيح قال صلى الله عليه : هو خليلي لولا أنَّ الله قـد اتخـذ صاحبكم خليلا ، يعني نفسَه عليه الصلاة والسلام ،والخِـلَّـةُ ـ بين البشر ـ علاقة قريبة جداً ، تعني اتحادَ المحبين ؛
قـد تَخـلَّـلْتَ مَسلِـكَ الروحِ مِنِّي وبذا سُـمَّيَ الـخـليلُ خـليـلا
وقُـرب أبي بكر رضي الله عنه فضيلة له ، ولكنه ليس مذمة لغيره ، لكنها شدة الوصل ، هي الـتي تختلف من واحد لآخر . فاحرص على هذه القاعـدة وحاول التزامها وسترى الفرق .
قد يصل كثرٌ ، ولكن شتان بين وصول ووصول ، وهل يستوي من يصل : " شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثرُ السفر " ، ويقـتربُ.. ويقتربُ حتى يجلس منك ، مُسنداً ركبتيه إلى ركبتيك ، واضعاً كفيه على فخـذيك ، هل يستوي هو ومن يصل واثر الغبار والتعب منهكا نفسه ؟! وبصعوبة تراه من بين الجمع ؟ كلا لا يستويان مثلاً !
لا تتعجل اعتماد الوصول ، قبل امتحان الأصول والعقول ، " فالعِرقُ دسَّاس " إذ :
" كلٌّ يدعي وصلاً بليلى " المهم بمن تعترف ليلى ؟ وادعاء الوصل سهلُ ، والخذلان عند الحاجة لا يكاد يُـعـدُّ .
لا تقل أنا وإياه روحان حللنا جسداً ، قبل أن تتأكد من معرفته بأصول القسمة والجمع والطرح .
من يستحق القطع سِـنَـةُ وصاله سَـنَـةٌ ! والواصل القريب سَـنَـةُ وِصاله سِـنَـةٌ . والعكس صحيح ! " فلكم بتُّ أشكو قصر الليل معك ! " وصدق ابن زيدون . وزار أحدهم " صديقه " ولما أراد أن يقوم قال له : لعلي أثقلت عليك ؟ فرد عليه : أنت ثقيل عليَّ وأنت في بيتك ، فكيف وأنت عندي ؟!
... من قبلُ في حلقة سابقة قلتُ : الصداقـةُ فـنُّ إدارة المسافة بين اثنين . والآن أقـول :
الصـداقـةُ فـنُّ الـوصـلِ والـقـطـعِ . وإلى أن نلـتـقي .
|