حلول البطالة btalah.com وظائف توظيف وظيفة vacancies job jobs


هل السعودة مشكلة جينية؟
فهد الشثري - 17/06/1429هـ
alshathri@gmail.com


أوردت "الاقتصادية" على صفحاتها يوم السبت الماضي تقريراً لأحد البنوك الأجنبية عن تدني الإنتاجية في الاقتصاد السعودي. وحسب ما جاء في التقرير أن الطفرة التنموية التي تشهدها المملكة ذات مظهر شكلي فقط، يتمثل في البناء والتشييد دون التركيز على كيفية زيادة إنتاجية المواطن السعودي, ولحسن الحظ أن هذا التقرير جاء متزامناً مع إطلاق خادم الحرمين الشريفين لمشاريع استثمارية تبلغ قيمتها 130 مليار ريال في مدينة الملك عبد الله الاقتصادي، لتفند ما جاء في هذا التقرير، ولتؤكد على أن الطفرة التنموية تستهدف طفرة في إنتاجية المواطن. وفي اليوم نفسه الذي أطلق فيه خادم الحرمين الشريفين هذه المشاريع، كانت الإذاعة الوطنية الأمريكية قد أوردت تقريراً عن مشروع المدينة الاقتصادية تضمن عدة لقاءات مع عدد من العاملين في مشروع المدينة والمشرفين عليها. وكان التساؤل الذي طرحته الإذاعة هو: لماذا يرتفع معدل البطالة في المملكة إلى معدلات عالية في ظل وجود مثل هذه الطفرة؟ ومن ضمن الذين أجابوا عن ذلك التساؤل (للأسف) أحد العاملين من جنسية عربية في مشروع المدينة, الذي أشار إلى أن المواطن السعودي مواطن غير منتج، وأنه ببساطة لا يريد أن يعمل, وهذا ما يرفع معدلات البطالة في السعودية. وما أفهمه من كلام الأخ العربي أن المواطن السعودي يفتقد ذلك النوع من الجينات الذي يحمله هو ومواطنوه. لذلك فالمواطن السعودي غير منتج، حسب رأيه!!
مواطن عربي آخر (حسب ما يبدو) رد على مقالي الأسبوع الماضي، والذي قامت الأسواق العربية مشكورة بإعادة نشره، والذي أشرت فيها إلى (أنه إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من عدم ارتفاع الأجور في السعودية بشكل يوازي الارتفاع في التضخم، فإنه سيكون هناك استقطاب لأفضل الكفاءات السعودية من داخل المملكة إلى خارجها كما حصل للكثير من الاستثمارات السعودية)، وكان رد المواطن بلغة إنجليزية ركيكة بأن: (هذه أفضل نكتة، وأنه سيتم أخذ المواطن السعودي لعمل الكبسة هناك). طبعاً لم أستغرب هذه البجاحة التي يتحدث بها مثل هؤلاء في محاولة للإقلال من قيمة المواطن السعودي، متجاهلين الإنجازات التي حققها المواطن السعودي داخل بلده وخارجها، في حين ظلت بلدانهم ترزح تحت وطأة التخلف الإداري والصراعات كل هذه السنين. وهذا جعلني أتساءل عن سبب ترسخ هذه الصورة النمطية عن المواطن السعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام. ومن يسهم في تكريس تلك الصورة النمطية, وجعلها شماعة تعلق عليها كل المبررات كلما طرح موضوع البطالة في السعودية. ثم بدأت أتساءل ما إذا كان المواطن السعودي بطبيعته غير منتج، وأن هناك مشكلة جينات كما يزعم البعض؟
على ما يبدو أن تلك الصورة النمطية ترسخت على فترة طويلة من الزمن من خلال اجتماع عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وتشريعية. كل هذه العوامل أسهمت بشكل كبير في ترسيخ تلك الصورة عن المواطن السعودي الذي يبسطها العامل البنجالي بأنه (مدير)، أي أنه وبغض النظر عن مؤهلاته فإنه يريد أن يصبح في موقع المدير دائماً. لا أنكر أن هناك فئات من المواطنين ترسخ هذه الصورة، وهم موجودون حتى في أكثر البلدان تقدماً، لكن تعميم الصورة من قبل مسؤولين عن القرار الاقتصادي السعودي أو من قبل ممثلي القطاع الخاص هو ما يجعل للمشكلة بعداً آخر. فكثيراً ما نسمع هؤلاء ينعتون مواطنهم بانخفاض الإنتاجية ويختزلون مشكلة البطالة في عدم رغبة المواطن في أنواع معينة من العمل، متجاهلين أنهم هم أنفسهم أحد الأسباب الرئيسة لذلك بسماحهم بتمريرهم لتشريعات وأنظمة تسهم في تعميق حدة المنافسة لصالح العامل الأجنبي على المواطن السعودي، وبالتالي تكرس تلك الصورة النمطية السيئة. ولهؤلاء الأسرى للصور النمطية أتساءل: لماذا نجح المواطن السعودي في أرامكو؟ كيف تحول مواطن سعودي من عامل بسيط في "أرامكو" إلى وزير بترول؟ لماذا ترتفع نسب السعودة في شركة سابك؟ هل سبق أن سمعنا من المسؤولين في شركة سابك أو أرامكو أن المواطن السعودي غير منتج؟ وماذا يفعل المسؤولون في كل من "أرامكو" و"سابك" لجعل المواطن السعودي منتجاً؟
إن مسألة البطالة أو عزوف بعض المواطنين عن العمل في قطاعات معينة لا تتعلق بمسألة جينية، كما يزعم البعض، ولكنها تتعلق بعوامل تشريعية تسهم في خلق وضع غير توازني في الاقتصاد. لذلك ففي محاولة درء التهمة عن فشل بعض السياسات الاقتصادية في حل تلك المشكلة، فإن المسؤولين يعلقون ذلك على شماعة الصورة النمطية. الأمر الذي جعل من صورة المواطن السعودي مشوّهة داخل الوطن وخارجه. والمواطن السعودي في ذلك مثله مثل أي مواطن آخر في العالم له الحق بأن يحلم باستقرار مالي ووظيفي واجتماعي. وإذا كانت الفرص التي يقدمها القطاع الخاص حالياً لا تكفل له ذلك، لأنها مصممة على (مقاس الأجنبي)، فمن الطبيعي أن يكون هناك مشكلة عزوف وأن يكون هناك مشكلة بطالة. لذا فكلي أمل أن يكون مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية إنجازا تنمويا إنسانيا وليس ماديا فقط، بحيث يكون للمواطن السعودي (وليس الأجنبي) الدور الأكبر فيه إنشاءً وإدارةً وتطويراً, وأن يكون هذا المشروع إنجازا سعوديا إنسانيا آخر كـ "أرامكو", و"سابك"، وليفند تلك الصورة النمطية التي يحاول (البعض) إلصاقها به.

لذا فكلي أمل أن يكون مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية إنجازا تنمويا إنسانيا وليس ماديا فقط، بحيث يكون للمواطن السعودي (وليس الأجنبي) الدور الأكبر فيه إنشاءً وإدارةً وتطويراً, وأن يكون هذا المشروع إنجازا سعوديا إنسانيا آخر كـ "أرامكو", و"سابك"، وليفند تلك الصورة النمطية التي يحاول (البعض) إلصاقها