فقراء ومسنون: الضمان الاجتماعي .. لا يكفي الحاجة!
تقرير – أسمهان الغامدي, «عدسة – حاتم عمر»
رغم الحاجة وضعف الدخل المادي, إلا أن البساطة والتعفف هي السمة الغالبة, يتعايشون مع حاجتهم ويسبحون بحمد الله على الحال، بروح ملؤها الإيمان والرضا بالقضاء والقدر, غادروا الكماليات, وتنازلوا عن الكثير من أساسيات الحياة، حتى أصبح جهاز التكييف بالنسبة لهم في هذا الحر اللاهب شيئاً من الترف، إنهم سكان حي السبالة في العاصمة الرياض، حيث ينتشرون على مرأى من الجميع على أرصفة الطرقات لعلهم يلفتون انتباه أحد من أهل الخير ليجود عليهم بما تجود به نفسه.
" الرياض" تجولت ظهر أحد أيام هذا الشهر الفضيل في حي السبالة بالرياض لرصد احتياجاتهم.
بداية يقول المواطن ( م.م) نجتمع أنا وأبنائي وبناتي وأبناؤهم ال 15 على سفرة رمضان التي يزينها الخبز والجبن وأحيانا الفول والتميس وفي أحسن الحالات طبق من الأرز من إفطار المسجد, بروح مطمئنة وأن الله أخذ منا ليعطينا الأجمل, ننتظر أذان المغرب بشغف, وما أن ننتهي حتى يقوم الأولاد إلى الصلاة وتجهز زوجتي الشاي، ويضيف أنه يستلم 2400 ريال كمخصص من الشؤون الاجتماعية إلا أنها لا تكفي لمصاريف 15 شخصا، ويزيد ابنه خالد بفرحة بريئة أنه نجح في الحصول على قطعتي "سمبوسة" من مشروع إفطار صائم في المسجد القريب منهم.
بعد ذلك دخلنا إلى منزل أم خالد الذي يتكون من صالة وثلاثة غرف ودورة مياه واحدة مشتركة لكل من في المنزل الشعبي الطيني, حيث يخصصون جزءا من الصالة لطهي الطعام بطريقة بدائية وأجهزة متهالكة، وجزءا آخر من الصالة لتجارة أم خالد القائمة على جمع الخبز اليابس من القمامة وبيعها مجددا لأصحاب المواشي بواقع خمسة ريال لكل خيشه, كما أنها تقوم بأخذ حزم الملوخية شبه التالفة من محلات الخضار لتقوم بقطفها وفرز الصالح منها لتبيعه من جديد!.
الضمان لا يسمن ولا يغني
وخلال زيارتنا لمنزل السيد محمد جاء إلينا جاره المسن, مرددا أننا بخير وفي نعمة ولكن نريد أن يرفع مخصص الضمان, ويقول: والله أن 800 ريال لا تكفي معيشة أربعة أشخاص, لمدة شهر, وكما تعلمين نحن مقبلون على عيد وشهر رمضان استنزف كل الدخل إلى جانب إيجار المنزل البالغ 13 ألف ريال, فنحن نحاول التقشف ولكن الحياة تطلب باستمرار, فسفرة رمضان لم يزينها إلا العدس والتميس وراضون ولكن مخصص الضمان لا يكفينا.
أسر متعففة
بعد ذلك توجهنا إلى منزل آخر من نفس الحي لموظف عسكري لا يتجاوز راتبه 3 آلاف ريال إلى جانب مخصص ابنه المعوق من الضمان والبالغ 1500 ريال حيث يقول (م.ع) : بسبب ظروف علاج ابني المعوق ذي ال 12 عاماً المكلفة والتي تصل إلى 55 ألف ريال, نحتاج أن ندخر على قدر المستطاع لنساهم في علاجه, فراتبي لا يغطي احتياجات المنزل والفواتير والمصروفات العائلية ومخصصه من الضمان لا يغطي احتياجاته لندخر منه، وتزيد زوجته أنهم من الأسر المتعففة والتي لا تتسول الصدقة, فمنذ دخول شهر رمضان وهم يفطرون ما كتبه الله لهم, فأحيانا خبز وشوربة, وأخرى خبز وشاهي, وراضون بما كتبه الله لهم ولكنهم يتطلعون لتحسين الوضع.
مرض وجوع
وفي ركن آخر من نفس الحي قابلتنا المواطنة ثريا التي أصرت أن ندخل منزلها ونرى وضع شقيقتها سعيدة المصابة بجلطة وتنام على فراشها بلا مكيف أو وسيلة تهوية, تقول ثريا: ينزل في حسابي شهريا 800 ريال شهريا من الضمان الإجتماعي أعول بها 8 فتيات وأختي المريضة, لا نجد ما نسد به الحاجة, نفطر من إفطار الصائم بالمسجد, ولكن المشقة هي في توفير غذاء لشقيقتي المريضة, حيث إن المخصص المالي لا يفي بالغرض وواقع 100 ريال لكل شخص غير مجزٍ, وقامت بفتح ثلاجتها لترينا محتواها وكيف وصل بهم الحال لتسول العصير, مشيرة إلى أن القهوة لا تدخل منزلهم، رغم شوقهم لها.
فاعلة خير
وفي بيت آخر يلفه الصمت والهدوء المطبق إلا من صوت إذاعة القرآن استقبلتنا المواطنة (أم حسين), التي تبرعت لها إحدى فاعلات الخير بإيجار المنزل وتكفلت بتوفير احتياجاتها وأبنائها السبعة الغذائية, فتقول: لم يشملني الضمان حتى هذا اليوم, وأبنائي لا يستطيعون استخراج بطاقة الهوية الوطنية, دخلنا الشهري يتراوح ما بين ال 200 – 500 ريال من خلال عمل أبنائي بالحراج, أجهز كل يوم صنفا واحدا من الطعام إما أن يكون مكرونة أو خبزا وشاياا أو شوربة, ففكرة التنويع مرفوضة, لأني لو وافقت أهواء أبنائي لما وجدنا أي طعام لليوم الثاني!.
رمضان رفيق الرزق
وفي نفس الحي كان يجلس رجل مسن بعكازته أمام باب منزله المتهالك وبرفقته زوجته, اقتربنا منهم لنستطلع حالهم, فقال أبو باسل: نجلس هنا أنا وزوجتي بانتظار مرور أهل الخير لنحصل على قسمتنا من الله ومما تجود به نفس هؤلاء, أو بانتظار إفطار المسجد لأخذ نصيبي وزوجتي وأطفالي الثمانية, وحتى الآن لم يشملنا الضمان, وقامت زوجته بإدخالنا لمنزلهم الأشبه بالحجرة الواحدة والفقير من الأثاث أو وسائل التكييف, مشيرة إلى أن رمضان شهر الرزق وهو يأتي بخيره ولن يضرهم الخبز والماء ما داموا يستطيعون الحمد والشكر.
ولا يزال هناك الكثير من الأبواب المغلقة المتعففة وأخر شرعتها الفاقة بانتظار أهل الخير للتصدق بما تجود به النفس في هذا الشهر الفضيل, فالفقراء حولنا وعلى مرأى من أعيننا ينتظرون تدخلاً يصلح حالهم أو على أقل تقدير أن لا ننساهم من زكاة الفطر.
المصدرhttp://www.alriyadh.com/2013/07/30/article855818.html