[fieldset=العنوانممقالة قد تغير حياتك][/fieldset]إنها ملايينُ ملايينُ الفرص
نجيب عبد الرحمن الزامل
- تأملاّت الإثنين -
.. يسألونك دوماً عن الوقت .. كيف تفعلُ هذا؟ كيف تستنبط من الوقتِ وقتاً؟ هل هناك فعلاً إدارةٌ ضبطيةٌ للوقت؟ لماذا يستطيع أحدٌ أن ينتج كثيراً في شهر، ما لا ينتجه غيره في سنوات؟ بالله من أين يأتي بالوقت؟ الإجابة بسيطة!
أولها أن أسئلةً مثل هذه مضيعة للوقت، صحيح أنها تستهلك لحظاتٍ قصيرة، لكن السرّ كل السر في اللحظات القصيرة، التي يقضيها الإنسانُ في تأمّلٍ مركز، بدل أن يضيعها في سحبِ شاشة السامسونج، أو كتابة برودكاست بالبلاك بيري، أو وضع تطبيق جديد على الآي باد. "أيْزاك نيوتن" كان يقضي وقتاً متأملا، وفي لحظةٍ وقعت التفاحة، وفي لحظةٍ لمعت فكرة في رأسِه، وفي لحظة تغيّر تاريخُ العلم الفيزيائي إلى الأبد.
إنها لحظات غيّرت الدنيا برمّتها، نظن أن لحظةً عابرةً لا تعني شيئاً، بينما هي في الحقيقة تعني كل شيء. أعظم البشر، الأنبياء، في لحظةٍ نزلت عليهم رسالاتهم، وغيّروا كل التاريخ. وأعظم اكتشافات العالم هي وليدة لحظة، فقط لحظة عنت للعالم كل الوقت بعرضه وطوله .. تصوّر أن الناس قروناً يتواصلون بالمسافات الشاسعة مشياً أو على ظهور الدواب. "ألكسندر جراهام بل" استطاع بعد سنين من الأبحاث والتجارب، إيصال صوتٍ عبر سلك بالذبذبات إلى أمتار عدة، ووقف عند ذلك. ولكنه كان يأمل ويحلم بالاتصال بأخيه البعيد جداً في الساحل الغربي وبينهما آلاف الأميال .. وأعيته الطرق. وفي يوم قرّر أن يأخذ راحة ويستقل القطار، ويتأمل عبر النافذة بتركيز المناظر عبر نافذة عربته، وفي لحظةٍ خاطفةٍ رأي محطةَ خيول، تلك المحطات الصغيرة التي يكون بها نُزُلٌ صغيرٌ متواضعٌ وحظيرة لتبديل الحصن، أو كي تستمد قوتها من جديد .. لحظةٌ خاطفةٌ ولمعت في رأسه فكرة محطات التقوية وإعادة الإرسال. لحظةٌ خاطفةٌ غيرتْ العالم .. وما زالت. "ابن الهيثم" يُعد أكبر عقل علمي في التاريخ - حسب تصنيف أكاديمي دي فرانس وجامعات ورابطات علمية في بريطانيا والولايات المتحدة متقدماً إسحق نيوتن.. في لحظة لمعت في رأسه من انعكاس أشعة الشمس فكرة أن العين لا ترى، بل المواد هي التي ترانا فترسل أشعتها لعيوننا، ثم عيوننا لدماغنا ليعيدها بدوره لعيوننا لتكون صورة مرئية، لذا لما قال "دانتي" في ملحمة الملهاة الإلهية - التي يظن كثيرون وبأدلة قوية أنه أخذ فكرتها وآلية سردها من مدينة أبي العلاء المعري الفاضلة - إن العيون نوافذنا على العالم. يعني كأننا نرى من خلالها وليس نرى بها.
انظروا! كل لحظةٍ، لا أقول دقيقةً، لا أقول ساعةً، لا أقول يوماً، مجرد لحظة، بل أقل من لحظة، كفيلة بأن تُعيد وجهة عبورك في هذه الحياة، بالانتقال من طريقٍ لطريقٍ بمجرد لمحة عينٍ، لمعة عقلٍ، نهدة خاطرٍ، وأنت تتأمل، متحرّراً، كل ما يُحيط بك.. مِمَّا حولنا نستنبط ملايينَ ملايين الأشياء.
لم أنسَ منذ كان عمري سبع سنوات قصة ذلك الرجل الكسلان مرتخياً على جذع شجرة فرأى همّةَ النمل ونشاطه، فاعتبَرَ من نشاط النمل وتغيّرت حياته بالكامل. هي لحظاتٌ صغيرةٌ نظن أنها تولّد انطباعاتٍ صغيرة، ولكنها انطباعاتٌ متى وظفناها فهي كفيلة وبسرعة لرفع كامل وجودنا. يعني أن كل لحظة، ليس كل دقيقة ولا يوم بل خطفة زمن، وبرقة وقت، هي عبارة عن فُرصٍ تتوالى وتنهال علينا شلاّلات .. بالله عليك كيف سترى وتلاحظ بله التفكير بتلك الشلالات من الفرص وأنت لاهٍ بمجّ سيجارة، أو تدخين شيشة ساعات في استراحة، أو في مباراة تأكل أكثر من ساعتين من وقتك.. أو ساعات في التسريح والمكياج؟ لا بأس أن تعملوا كل ذلك .. ولكن اتركوا وقتاً ولو قليلاً من الزمن للتأمل الموجَّه المركز والمفيد فيما حولكم من عناصر الحياة، وسوف ترون.
ولا تبتئسوا، أو تتحسروا، وتقولون فاتتنا الفرصة أو الفُرص، فهذه واحدة من أكبر الخرافات التي ابتدعناها ثم صدّقناها. تريدون أن أقول لكم لماذا هي خرافة؟ بسؤالٍ آخر..
هل تنتهي شلالاتُ اللحظات؟!