ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني .... وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها .... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
مقطع قصير من معلقة ( عنترة بن شداد العبسي ) ، ذلك الذي عاش فتـرة طويلة كمجرد عبد ، أنقذته من ربقـة العبودية إحدى الغزوات التي كانت تتناوش بين القبائل آنذاك ، حينما قال له أبوه : ( كر وأنت حر ) وكأنما الإنسان يولد عبدا ثم ينتظر أن تقدم إليه الحرية مقابل شرط أو شروط .
عاش (عنترة) عبدا ولسنا بصدد سرد سيرة حياته بقدر ما هي إضاءة وتسـليط ضوء على بعض قيمنا نحن الذين نحمل صفة الإنسانية ..
عاش (عنترة) حياته يرسف في قيد العبودية بين أغنام تغثو وجمال ترغي يذهب بها صباحا إلى المرعى و يعود بها مساءا ليلقي جسمه المنهك على أسمال ممزقة ليختلس سويعات من الراحة ..
أروح من الصباح إلى المغيبِ .... وأرقـد بين أطناب الخيـامِ
بعد عناء المراقبة والمتابعة لحيوانات بكماء ..
بعد الركض هنا وهناك وراء الشارد منها والضال ..
بعد رعاية وسقاية تلك التي يتحمَّل المسئولية عنها وضامنا عودتها سالمة ، مكتملة العدد .
كيف استطاع هذا الذي عاش وهو يرسف في قيود العبودية التي تأخذ منه جُلَّ وقته أن يقول الشعر بأجزل لفظ وأقوى معنى وأوضح صورة وأن يحولها من مجرد فكرة تتراوح في ذهنه إلى صورة تكاد تنطق ، بل هي ناطقة ملء السمع والبصر ؟
كيف استطاع أن تكون لديه هذه الملكة الشعرية الأخَّاذة ؟
وأن تكون لديه هذه المقدرة على صياغة هذه الصور الجمالية بأسلوب عذب جزل حتى أن العرب لفرط جمالها وجودتها أطلقوا علي معلقته ( المذهبة ) ؟؟
هل أتاه الشعر دون تكلف بالسليقة أو الفطرة ؟ أم أعدَّ للأمر عدته بتأنٍّ ودراسة وملاحظة ؟
ثم ...
كيف استطاع عنترة ( هذا العبد ) أن يتجاوز نطاق دائرته المحدودة والمحصورة في مهام العبيد إلى دائرة أرحب وأوسع ؟
كيف استطاع أن يخرج من تلك الاهتمامات المحدودة من الرعي والحلب والركض هنا وهناك ... إلى شيء أرفع سموا
و أكثرا بعدا وأعمق معنى و أكبر تأثيرا و أن يكون فارسا يضرب المثل به عند العرب ؟
كيف لنا أن نصف هذا التغير (الهائل) من حال إلى حال ؟
وكيف نفسر أسبابه ؟
هلي هي عوامل داخلية ذاتية أم هي ظروف خارجية طارئة ؟
هل ملكة الشعر و الشجاعة هي من الأمور الوراثية أم هي من مكتسبات البيئة المحيطة بالإنسان ؟؟
ما هي الدوافع التي أدت (بعنترة العبسي) ذلك العبد النكرة المجهول في وسـط صحـراء مترامية الأطـراف لأن (يكون شيئا) ؟
ثم ..
ما هو التأثير النفسي (لمرحلة العبودية) علي حياته ؟
هل هو عامل مثبط أم دافع منشط ؟
و تنداح الأسئلة أمامي كلما ألقيت فيها بتأمل ..
وتستمر الأسئلة متسارعة متلاحقة ..
آثرت الاستمرار مؤقتا في طرح كل ما لدي من تساؤلات ، حتى أصاب رشاشها أخيه ( شيبوب ) ..
وأعطيت لنفسي بعد ذلك راحة وقليلا من الاستجمام تذكرت خلالها مراحل تعرفي إلى ( عنترة ) :
· لعلَّ أول مرة أعرفه فيها عندما كنت صغيرا ، لا أذكر هل كنت في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي ، حينما ذهبت مع أخي الأكبر إلى السينما لأشاهد ( عنترة بن شداد ) ، في تلك الليلة عرفته وعرفت قصته مع ( عبلة ) ، و لازلت أذكر جيدا تلك السياط تلهب جسده العاري ، ويتناهى إلى سمعه صوت حبيبته عبلة تستنجد به فيشد القيود التي تكبله فتتقطع و يثور كالأسد لينقذ (عبلة) وليحافظ على شرفها ،
ورأيته في ذات الفيلم في موقف درامي آخر حينما بدأت الرمال المتحركة تبتلعه شيئا فشيئا حتى لم يتبق منه إلا أطراف أصابع يديه ، ورأيته أيضا وهو يزمجر بصوته ويجندل الفرسان واحدا بعد الآخر حتى يتحقَّق له النصر .
· عرفته في مسلسل إذاعي تابعت حلقاته الممتعة التي تتوقف دائما عند نقطة حرجة أو عند عقدة تحتاج إلى حل ، وعلي المتابع الانتظار (24) ساعة ليعرف تكملة القصة و كيف تم حل المشكلة ..
· عرفته مرة أخرى ، بل عشت معه لحظة بلحظة في أدق التفاصيل أثناء قراءتي لقصة ( أبو الفوارس ) ، كنت يومها ما زلت تلميذا في الإعدادية ، وأذكر أنني قرأت هذه القصة كما يقرأ الأطفال اليوم قصص (هاري بوتر) ، ورافقته في تلك الصحراء حيث العرار و الأقحوان ، وكأنني أشم رائحتها الجميلة ، ولقد أبدع ( محمد أبو حديد ) في هذه الرواية إيما إبداع في نص أدبي راقٍ لم أتركه من يدي حتى أمضيت تلك الليلة ساهرا ولم استرح إلا بعد قراءتي لأخر سطر من الرواية قبيل الفجر بقليل .
· عرفته مرة رابعة من خلال مطالعتي للشعر الجاهلي وقراءتي لتاريخ الأدب العربي و من خلال إطلاعي على ديوانه الذي يحمل بين طياته تلك المثل الأخلاقية النبيلة ، فقد كان فارسا بمعنى الكلمة .
· حينما تقرأ ديوانه تحس بمعايشتك إياه و مشاركتك له و كأنك معه في غزواته ومعاركه ، في أفراحه وأتراحه ولو طلب مني أن أصف هذا الديوان لقلت إنه سهل الكلمات ، بعيدا عن الحوشي والغريب من المفردات ، تحس بجزالة اللفظ وقوة الكلمة و روعة الأسلوب ودقة الوصف وجمال التعبير يدخلك عوالمه الخاصة ، يشخص الطبيعة و يستقي من بيئته ما يدلل على ما يريد ..
ويبقى عنترة رغم كل شيء مظهر من مظاهر البحث عن الكينونة ، كانت المشكلة التي يواجهها هي أن (يكون) أو (لا يكون) كما عبرت عنها إحدى شخصيات مسرح (شكسبير) ، لذا فقد وضع (عنترة) لنفسه هدفاً أساسياً وسعى إلي تحقيقه هو (الاعتراف به ) أولاً ، ثم وضع أمامه أهدافا أخرى لا تقل لديه أهمية عن هدفه الأساسي هي إعطاؤه المكانة اللائقة التي يستحقها كحامي حمي الديار وفارس القبيلة الذي لا يبارى وأن يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام ، حتى أن النبي (r) تمنى رؤيته ، بل واستطاع عنترة أن يحفر له ذكراً لا ينسى في صفحات التاريخ، الاقتران بابنة عمه (عبلة) وأمام هذه الأهداف بل الطموحات لم يجعل الأماني والأحلام مطية يعتليها ليصل إلى تحقيقها بل اتخذ في سبيل ذلك كل ما يستطيع من سبل ووسائل لا تتعارض مع سمو الأهداف فبدأ الاهتمام ببنيته الجسدية والتدرب على المبارزة وركوب الخيل في أوقات فراغه رغم قلتها ، وفوق ذا وذاك لم يتخذ (انتماءه) لفئة العبيد مشجباً يعلّقُ عليه عدم تحقيق طموحاته بل كان ذلك دافعا له من أجل أن يكسر هذه القيد ، إن من يقرأ ديوان عنترة يجد أن كلمة (العبد) قد ذكرت عدة مرات وكلها في مجال الفخر :
أنا العبد الذي يلقى المنايا .... غداة الروع لا يخشى المحاقا
أنا العبد الذي سعدي وجدِّي .... فُوِّقَ على السها في الارتفاع
أنا العبد الذي خبرت عنه .... يلاقي في الكريهة ألفَ حرِّ
أنا العبد الذي خبرت عنه .... وقد عاينتني فدع السماعا
أنا العبد الذي خبرت عنه .... رعيت جمال قومي من فطامي
أنا العبد الذي بديار عبس .... ربيت بعزة النفس الأبية
وأنا الأسود والعبد الذي .... يقصد الخيل إذا النقع ارتفع
كما نلاحظ فإن (عنترة) في هذه الأبيات استخدم (العبودية) في مقابل ( الحرية ) ولم يقصد بهذه الكلمة (اللون الأسود أوالزنوجة ) بل كان يقصد بالعبودية (فقدان الحرية) ؟
و هذا ما ذهب إليه عنترة العبسي حينما وضع (العبودية) في مقابل (الحرية) في هذه الأبيات ، ولم يتناول العبودية التي ينصرف أذهان البعض إليها من (لون) أو صفة الزنجية ، وحتى لو كان اللون أسود بل حالك السواد وحتى لو كانت صفات الزنجية بأعلى درجاتها يتسم بها إنسان ما فإن ذلك لا يعيبه إطلاقا و لا يشينه وهذا واضح كل الوضوح في البيت الأخير من هذه المجموعة ، ، وكأني بـ( محمد الفيتوري ) ينهج نفس نهج (عنترة ) حينما يصرخ بأعلى صوته :
قُلها ، لا تجبن
لا تجبن
قلها في وجه البشرية
أنا زنجيّ
وأبي زنجيّ الجد
وأمي زنجيّة
أنا أسود
أسود ، لكني حر
أمتلك الحرية
ولقد سبق (عنترة) (محمد الفيتوري) بالفخر بأمه السوداء حينما قال :
أنا ابن سـوداء الجبين كأنها .... ضبع ترعرع في رسوم منزل
الساق منها مثل ساق نعامة .... والشعر منها مثل حب الفلفل
ولقد وضع الإسلام حدا لهذه النعرة التي نجدها إلى الآن – للأسف – عند البعض ممن في قلوبهم مرض حينما قال
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)
إن هذا التغير والتبدل من حال إلى حال ، ومن فئة ذات مواصفات دنيا في المجتمع القبلي الجاهلي إلى فئة ذات مواصفات تتمتع بالسيادة لا تتأتى إلا بقوة الإرادة و قوة التصميم ولا يمكن حدوث ذلك إلا بوجود دافع أو دوافع داخلية عدة ساعد على تأججها عوامل بيئته الخارجية ، ولا ننكر أن للوارثة دورها المهم ، لكننا ننظر إلى العوامل الخارجية وإلى تأثيرها الإيجابي في تحوله رغم مرارتها ورغم قساوتها من ناحية ( عدم الاعتراف ببنوته ، ظروفه كعبد ، شظف العيش ، لونه الأسود ، تعييره بأمه ... ألخ ) ونلحظها منتثرة في ديوانه :
يعيبون لوني بالسواد وإنما .... فِعَالهم بالخبث أسود من جلدي
لئن أك أسـودا فالمسك لوني ..... وما لسواد جلدي من دواء
ولكن تبعد الفحشاء عني ....... كبعد الأرض عن جو السماء
يعيبون لوني بالســواد جهالة ..... ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
وإن كان لوني أسود فخصائلي ...... بياض ومن كفي يُستنزل القطر
ما ساءني لوني واسم ***بة ... إذا قَصَّر عن همَّتي أعدائي
ينادونني في السلم يا ابن ***بة ..... وعند صدام الخيل يا ابن الأطايب
وحتى (عبلة) التي أحبها لم يسلم من معايرتها له ، إذ يذكر في أحدى قصائده :
و إن عابت سوادي فهو فخري ...... لأني فارس من نسل حام
في مقابل أن يكون حرا ، ينتسب بكل فخر إلى والده ، وأن يعيش حياة كريمة كأولئك السادة مهما كان لونه ، فليس
هو من تسبب في وجود هذا اللون ليس معيارا للتمايز ...
و من ناحية أخرى فإن العيش في صحراء متنوعة التقلبات فيها وطبيعة متغيرة الطقس (الحر/البرد ، المطر/القحط ،
السكينة والهدوء/ الرياح والعواصف ، الصحراء/ الجبال ... ألخ)، هذه الجدليات ساهمت في إيجاد مناخ نفسي للتحول ..
ولعل من أكبر الدوافع لأن ( يكون شيئا ) هو حبه الطاغي ( لعبلة ) ، التي نكاد أن نراها في كل قصيدة من قصائده ،
والحب كما يقال يصنع المعجزات ، وهل هناك دافع أقوي من دافع الحب ؟؟
لا أعتقد .. لكنه يأتي في سياقه المحدد وتأثيره الواضح ضمن المؤثرات والعوامل الأخرى ..
وفوق ذا وذاك وجود (الرغبة والمقدرة) لتحقيق هذا الحلم الجميل ..
ربما يأتي الشعر بالسليقة دون تكلف فقد عاش في بيئة جاهلية أحد أهم مصادر إعلامها الشعراء الذين لا يملكون إلا قول الشعر في وقت لا توجد فيه هذه المساحة الهائلة من وسائل الإعلام والترفيه .. وفي جو صحراوي المناخ ، وبين قبائل لم تعتد إلا العيش فيه بعيدا عن مظاهر التمدن البسيطة الموجودة في المدن حينذاك ، لم يكن أمام هؤلاء البشر من وسائل الترفيه إلا الشعر مجالا خصبا للمبارزة العقلية وللمتعة الذهنية ، بجانب المبارزات الأخرى بالسيف أو ما شابه ، يرتاح الإنسان حينما يستمع إلى الشعر ويطرب وتأخذه نشوة الاستمتاع به فيطلب أن يسمع المزيد ، و لاشك أن عنترة عاش هذا الجوَّ وتأثَّر به ، وكيف لا يتأثر وهو يعيش في عمق أعماقه ؟؟
إنه يستمع إلى تلك القصائد ، ويستمع إلى أولئك الشعراء من قبيلة عبس ومن غيرها من القبائل ، ويستمع إلى وصف
ذا أو مدح ذاك ، وربما فاضل في نفسه بين شاعر وآخر ، لا شك لدينا أن عنترة كان يعاني من (الحس الجمالي المرهف) و ( القدرة العالية في التعبير الوجداني) ، ولا شك أن للحب دوره الفعال والمؤثر الإيجابي في ذلك .
كيف استطاع (هذا العبد ) الوصول إلى هذه الدرجة العالية من الحس الذوقي الرفيع وهذه الصور الحية الناطقة ؟
هل شربه من حليب البداوة حيث اللغة ما زالت سليمة لم يخالطها اللحن الذي تفشى في العصر الأموي واستفحل في العصر العباسي ؟
وهل معرفة اللغة كافية لقول الشعر وإذا كانت كافية فهل هي كافية للحصول على هذا الحس الراقي والإحساس
الجميل والصور الرائعة ؟
وأكاد أزعم بأن الخلاصة هي :
الشعر موهبة لا علاقة له بالعبودية أو بالحرية
الشعر موهبة يؤججها الحب
الشعر موهبة تصقلها الملاحظة والتجربة
عود على بدء :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني .... وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها .... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ثم ..
حينما تذكرها والرماح نواهل من دمه .. في هذه اللحظة الحاسمة من المعركة .. هل الوقت مناسب لهذا التذكر ؟
أهو (طغيان الحب) الذي يأبى إلا أن يكون حاضرا في كل الحالات وفي كل الظروف مهما كانت ، سواء أكانت طبيعة الحياة تمشى على سيرها المعتاد أو كانت تواجه سحب سوداء ومعارك طاحنة ، وإذا لم يذكر الإنسان من يحب وهو يعايش لحظات الشدة .. فمتى يتذكره ؟؟
إن التذكر من مستلزمات حياة الرخاء
بينما قد يكون التذكر في لحظات الشدة من ضرورات الاستمرارية في هذه الحياة لأنه يعطى قوة دافعة وإضافة معنوية نحتاجها بل نحن في أشد الحاجة إليها .
ولقد ذكرتك
متى ؟
والرماح نواهل مني
وماذا بعد ؟
وبيض الهند تقطر من دمي
ثم .. وبعد هذا التذكر في هذا الموقف الذي يستلزم التركيز في دقائقه وتفاصيله الحاسمة لأن أقل هفوة قد تنهي الحياة
ولا بأس أن تنتهي الحياة وتذكر الحبيب ما زال ماثلا في الذهن ، فلعل هذا ما يخفف آلام معانقة الموت !
في هذا اللحظة بالذات ماذا تمنيت يا عنترة ؟
فوددت تقبيل السـيوف
لماذ ؟
لأنها لمعت كبارق ثغر (عبلة) المتبسم
هنا التقت جدلية الموت والحياة في صورة لم أجد لها تشبيها يضارعها في الروعة والجمال فهو إن صح القول تشبيه مبتكر
لم يسبقه إليه أحد وأعتقد إن من جاء بها بعده إنما سرق هذه الفكرة منه .
ولقد ذكرتك والرماح نواهل .... مني وبيض الهند تقطر من دمي
ما أطيب الذكرى في موقف كهذا الموقف ، وما أمتعها من لحظات !
إن هذه الذكرى تبعد الشعور بالوحدة وتعزّز موقفه ، بل وتعطيه قوة فوق قوته ، وإضافة جديدة لأنها تمثل دعما معنويا
قد يكون محتاجا إليه أشد الاحتياج
ولقد ذكرتك
ما أجملها من ذكرى في موقف كهذا ..
ليت البعض منا يأخذ درسا ليتذكر من يحب عندما يمر بأشد الحالات قسوة ووطأة على النفس ليخفف عنه بعض ما يعاني فالتذكر يريح النفس ويعطي للحياة معنى ، قد لا نجده إلا في التذكر ، وهو معنى لا يعرفه إلا من يعيشه بكل مشاعره واستحوذ عليه إلى درجة أنه انشغل به عما سواه من أحداث ..
هل لنا أن نعي هذا الدرس جيدا ؟!!
شيبوب بين الحقيقة والخيال
تشير كل روايات عنترة العبسي إلى وجود أخ له هو ( شيبوب ) وهذا الأخ ملازم لأخيه كظله نراه معه في كل مكان وهو صاحب طرفة ونكتة ، ووجوده أحيانا عامل إيجابي إذ يساعد أخاه في التخلص من بعض المواقف ،
ولست أدري كيف ارتبطت في ذهني صورة (شيبوب) بصورة (سانشو) في رواية (دون كيشوت ) لـ(ميجيل دي سرفانتيس) ، كما ارتبطت صورة (عنترة) بصورة (سبارتاكوس) صاحب ثورة العبيد في روما قديما .
لماذا لم يعترف به أبوه كما اعترف بعنترة ابنا ؟
وإذا لم يعترف به لأنه لم يقدم عملا يستحق بموجبه الحصول على الحرية وهذا عرف جاهلي .
كيف سُمِحَ لـ(شيبوب) أن يترك عمله هكذا بكل بساطة وأن يتبع عنترة من مكان لآخر ؟
و لم رضيَّ (شيبوب) أن يكون بمثابة الخادم لأخيه ؟
بل لم رضى عنترة أن يكون شيبوب مجرد خادماً له ، وهو من عرف عنه الأخلاق العالية والآداب الحميدة .
ثم
أكان (شيبوب) موجودا بالفعل والحقيقة كعنترة ؟
أم هو مجرد خيال أضيف إلى رواية عنترة ليضفى عليها شيئا من المرح والفكاهة والطرافة ؟
إلا أنه من خلال بحثي عن مدي حقيقة ذلك وجدت أن لعنترة إخوة من أمه وأن أحدهم اسمه : (حنبل)(1) وهو خيرهم ، لكن لم يذكر التاريخ أن له أخا يسمى شيبوبا ولم ترد هذه الكلمة في ديوانه إطلاقا ، بل أن الباحث يجد ذكرها ديواني أحمد شوقي وزكي مبارك ، وكليهما بعيد عن (شيبوب عنترة) الأول حينما قال :
شيبوب دِيوانُك باكورةٌ ..... وفَجرُكَ الأول نورُ السبيل
والثاني :
فلا النشار يسأل غير صاح ..... ولا شيبوب يحلم بالجواب
يظل شيبوب في مرحلة ضبابية لم تذكره كتب المصادر ولم يذكره أخوه بكلمة ، رغم وجوده البارز في الروايات ، وفي رأينا المتواضع فإن شخصية شيبوب مجرد خيال أوجده (الراوي) ليس إلا ، فما ( يحيكه ) الرواة ليس معيارا للحقيقة أو للتاريخ .
(1) إبراهيم الأبياري ، ديوان عنترة بن شداد ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ط 1 ، 2001 ، ص 15.
م/ن
مع خالص تحياتي