01-08-2014, 02:17 PM
|
|
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 2,319
معدل تقييم المستوى: 11695242
|
|
قصة كفاح
تذبذبت الاعتقادات بين عدل الحياة وظلمها وترنح ظل شعلة بين الضياء والانطفاء , فجروح شد طرفيها الزمن ليخيطها الوقت وجروح التأمت لتصبح ندبات أبدية .
الألم والأمل قبضتان يلوي ذراعيهما قانون القوي على الضعيف , في كتاب يروي تفاصيل الحياة , أو ربما تقاسيم البداية قبل ختم النهاية !
في إحدى صفحات الكتاب روح قيد عنق أنفاسها يأس الحياة بسلاسل الأمل المحتضر..
ففي أحد المنازل التي يقطن فيها زوجان توفَرت لهما جميع سُبُل السعادة لكن حُرِمَا لذة صدى ضحكات الأطفال فترة طويلة ، فابتسمت لهما الحياة
إلا أن ابتسامتها لهما كانت جانبية , فبعد أن كان الزوج يتلهف لابنه .. وجد أن المولود أنثى جعلته يرفض هذا الحال فرغبته بالحصول على
صبي جعلته يتزوج بامرأة أخرى علّها تنجب ما عجزت عنه الأولى ، وبعد سنتين تزوج أخرى لتنجب له الصبي الذي فرغ صبره من انتظار قدومه
، ولَم تكن هينة على زوجته أن يتزوج من أخرى فكانت الخلافات مستمرة ، والزوجتان لم تتفقا أبدا ً، لتنتصر الزوجة الأولى بمولود آخر
وكان كما تريده ( صبيا ً ) تظهر على تقاسيم وجهه البراءة ومع قدوم الطفل الذي أسمته ( سليم ) كبرت المشاكل وازدادت الضغينة في قلب
الزوجة الثانية اتجاهها ، بالإضافة للغيرة التي أخذت تنهش قلبها وتسلب منه الرحمة .
الزوجة الثانية أصبحت تتصيد الفُرص لتكيد المكائد للخلاص من الطفل وأخته فبعد مرور ثلاث سنوات كان الحقد والحسد قد التهما ضمير تلك المرأة
لتتسلط على سليم وأخته وتحرق غرفة نومهما التي كانت لا تخلو منهما وشهدت هذه الفعلة برود أعصاب منها ولم تمر تلك الليلة السوداء
ذات الأعقاب الوخيمة مرور الكرام فقد تشوه جسد سليم الطفولي واختفت ملامح وجهه ، بينما أخته التي كانت في الخامسة من عمرها
قد أصيبَت باختناق أثّر على رئتها و كانت الحياة غير عادلة في بداية المطاف بالنسبة لهما كيف لا والطفلين ضحية لجريمة شنعاء .
ربما كانت عادلة ولكن ظلم تلك المرأة أخلّ باتزان الميزان ، ليصبح ذلك المنزل مجرد مربع مندلع المشاكل ليصبح والد سليم مجرد رجل يائس بائس
، وكل ما يجيده هو الهرب من مشاكله والاستعانة بالمواد المخدرة التي كان يعتقد أنها ستساهم بجعله ينسى ما حدث وتعطيه نشوة تجعله يصلح
ما سيحدث لكنها تجعله يبتعد أكثر وابتعاده يفقده السيطرة على مركب أسرته .
عاش الطفلين حياتهما حتى كبرا ، مبتلعين غصات الألم .. وبعد سنوات .. تحديدا ً عندما كان الأب في غمرة انغماسه بسمومه وإدمانه
إذْ بِباب منزله يُطرق مِن قِبل أحد الجِيران وقد حمل معه أنباء سارّة من أحد المسؤولين تهتم بعلاج ابنه سليم العقل مشوه الجسد ، و التي
قد طالب بها والد ( سليم ) لحظة الحريق .
هذا النبأ جعل الأب يفيق من غفوته لينتقل بأسرته لأحد الدول الأوروبية لتبدأ رحلة العلاج , فانفتح بذلك باب الخيرات على مِصراعيه
حتى تكدست الأموال الطائلة والهائلة على ذاك الأب فأصبح يصارع ذاته ما بين الطمع والرحمة ، يصرف بعض المال لعلاج سليم وتارة أخرى
يتفوق الطمع ويستسلم عقله للانقياد للمسكرات , والزوجة الثانية كمن يسكب الزيت على العسل ليفقده طعمه , أما الطفلة سلمى فقد كبرت
وأصبحت ترى المشاجرات التي تجعلها تتمنى أنها لم ترى .
تمر السنوات , ويتقدم سليم بالعمر , وصورته البريئة تشوهها بقع الحريق التي يكشفها جسده الهزيل , والإبداع رغم ذلك يطفو على سطح الواقع
, ليزيد من سرعته صبر سليم على الألم الجسدي والمعنوي في نفس الوقت .
أما الأب فأصبح حبيسا ً لإدمانه , والإبر التي يحقن جسده بها هي من تكبله وكل ذلك بتخطيط من زوجته الثانية , وذلك الأمر لم يمنع سليم من متابعة رحلته .
تشوّه جسده لم يخفي إبداعه وتفوقه بالإضافة إلى احتضان تلك الدولة له التي لا تكتفي بالعلاج الجسدي بدليل أنهم قاموا بتهيئة سليم تهيئة نفسية
مكنته من التصدي لكل كلمة جارحة ودعت لسان صاحبها , سليم لم يكن بذلك الضعف فقد كانت تبرق من عيناه شعلة أمل , وكان يساهم بزرع التفاؤل
بنفوس من يسمع صدى صوته ويرى لمعان أسنانه حين يضحك و نجاحه عندما يُمسك بالأشياء رغماً عن أصابعه المبتورة .
بعد الضغوط التي لاقاها والد سليم أنهى علاقته بوالدة سليم , وأخذ يتاجر بالممنوعات ويتعاطى ما تشتهيه نفسه منها , وسليم يكبر وتشوهات وجهه
تكبر معه , يقابل كل ذلك تفوق دراسي منه .
بعد أن بلغ سليم الثامنة عشر من عمره وصلت فترة علاجه النهاية وكُتب عليه العودة لوطنه الذي فقد أغلب مواطنيه - إلا من رحم ربي
ثقافة ( احترام ذوي الاحتياجات الخاصة )
درس السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية بنظام الانتساب , لان المدارس والمدرسين اتفقوا على أن قبح شكله وصل إلى عقله ,
ولأنه غير ملم باللغة العربية لم يحقق نتائجا ً جيدة لكنه ( نجح ) وكان يطمح بالعودة لبريطانيا ليستكمل دراسته , لكن شروطهم
التي وضعوها حالت دون ذلك , فاضطر أن يدخل بإحدى جامعات وطنه .
بعد دخوله للجامعة تكالبت عليه الظروف , فبتوصية من زوجة والده تم تزويج سلمى لرجل طاعناً بالسن , ومنعه هو وأخته
من استقبال أو زيارة والدتهما , لكن الأمر الذي خفف على سليم وطأة الحياة هي السيارة التي قدمها أحد المسؤولين له , لكن فرحته
بالسيارة لم تكتمل فقد تعرض لتصادم مع سيارة أخرى ولم يكن الخطأ من سليم , والمخطئ قام بتعويضه بمبغ عشرة آلآف ريال , إلا أن
والد سليم قد أخذ المبلغ وأنفقه على المسكرات وأكمل سوء فعلته وباع السيارة جاعلا ً ابنه عرضة للذل عندما يريد الذهاب لجامعته .
طالب سليم جامعته بأن تعطيه الإعانة المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة إلا أن مسؤولي جامعته قالوا لا نعطي سوى الأعمى أو
من فقد أحد أطرافه , وهنا انزعج سليم وكان رده ساخرا ً حيث قال : لا استغرب أن تقولوا احظر بنفسك وقدم شهادة وفاتك وأربعة أشخاص
يشهدون على الوفاة لنعطيك الإعانة !!
إلا أن إصراره وحجته القوية كسرت كل الأعذار التي يقدمها له المسؤولين ليحصل بذلك على إعانة لا بأس بها من دون أن يعلم والده بالأمر .
وصلت الخلافات بين والدي سليم للمحاكم , وخبث ودناءة والده جعلته يطلب منه و أخته بأن يشهدوا ضد والدتهم وهددهم بالعقاب
في حال خالفا كلامه , سلمى لم يكن لها حول ولا قوة فبعد أن ابتسمت لها الحياة وخرجت من حياة والدها , أعادتها الظروف , فكانت
مع والدها , أما سليم فكان مع الحق , مما أغضب والده وجعله يتخلص منه خارج المنزل .
بعد خروج سليم من منزل والده لم يستقبله احد , فأشقاء والدته حرموا والدته من إعادته لحظنها , ولم يجد مسكنا ً يأويه مما دفعه
للعمل بورشة في الفترة المسائية , والسكن مع عمّال ( الورشة )
من هنا بدأت حياته تتحسن شيئا ً فشيئا ً , فبالإضافة لعمله كان يقوم بتدريس المبتدئين باللغة الإنجليزية بأحد المعاهد المختصة بذلك
, وكانوا يستغلونه مع الأسف والمرتب الذي كان يتقاضاه منهم بخيس جدا ً , والسبب يعود لأنه لا يحمل شهادة , ولأنه محتاج للمال ليحافظ على مسار قاربه في دراسته الجامعية .
حاول والده بشتى الطرق إعادته لمنزله ليس من باب المحبة , إنما لأجل علمه بالمبلغ الذي يحصل عليه سليم , لكنه وجد جميع الأبواب قد أوصدت بوجهه .
تخرج سليم من جامعته بمعدلٍ مرتفع , مما جعل وظيفته تأتي إليه , ودارت الأيام وتوفي والده جراء تعاطيه للمسكرات , أما زوجة والدة فسبحان الله
قد أصيبت بمرض نادر ب ( جلدها ) وبعد أن وصل مرضها لأوج مراحله حملوها الجيران للمستشفى , وكانت حالتها حرجة جدا ً , إلا أن رحمة
الله مكنت الأطباء من إعادتها لحالتها الطبيعية , وطلبت مكافأة كل من أشرف على حالتها , وكان من بينهم الطفل الذي أحرقته صغيرا ً
مشوهة بذلك كل معاني الإنسانية , وبعد تعرفها عليه , أخذت تبكي بكاءا ً شديدا ً يثبت شعورها بالذنب , واعترفت لسليم بأنها هي
المتسببة بكل المشاكل التي واجهته , إلا أن ردة الفعل التي اتخذها سليم هي الصفح عما حدث , ومحاولة إصلاح ما أفسده الجشع , فعاد
لحظن والدته بعد أن سدد ديون والده , وأصلح الخلافات بين زوجة والده ووالدته مثبتا ً أنه كلما كانت المتاعب أصعب كان المجد أكبر , و أن النار لا تخمد بالنار .
ما أجمل الأمل حينمَا يخفي معالم اليأس ويكون رمزاً للصبر والتغلب على عثرات الحياة ,, فنحن من نصنع البسمة لنا ولمن حولنا .
دوّنت أول حروف الندم ، وختمت آخر كلمات الحزن .. فبعد تذبذب الاعتقادات .. برهن اعتدال الميزان مختل الاتزان ..
وبعد إلتواء ذراع الأمل قلبت الأدوار لتلوى ذراع الألم .. وتعود البسمة لمبسمها , فحتى لو وقع الظلم نهايته الخسارة والضلال , ولو رقعت الحقيقة بالكذب
فإنها ستظهر يوماً ما فالشمس تظهر بعد المغيب ليشق نورها عتم السراديب , الحياة عسر ولكنها برحمة الله يسر .. فقط ببعض الايمان والصبر والعزيمة ..
سنصل إلى القمة لنحقق السعادة .
بقلم سيف المطيري
|