15-08-2014, 08:31 PM
|
|
عضو نشيط
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: الرياض
المشاركات: 145
معدل تقييم المستوى: 6799
|
|
جلسات في فن تحظير الذات (ج1)
تعتبر جلسات الخلوة الذاتية من الامور التي تحتاج الى فصل العقل عن مشاغله و طموحه و همومه، اي اننا قد نضطر الى ان نبرم خصاما عقليا مؤقت الى شواغلنا المشتتة الذهن و اللجوء الاضطراري الى السكنة و الهدوء التامين. مع مراعاة الركون الى الداخل اكثر، و بالتدريج الذي يسمح بالتكيف و التآلف مع الحالة الروحية لاستحضار الذات، فنصبح اكثر استعداد لتلقي الاشعاعات الالهامية الرائعة، فاكثر ما تتطلب تلك الحالة من استعداد هو النجاح في كيفية التمتع بذهن كالملح، قادر على الذوبان بالهموم و المشاكل الحياتية المؤرقة الى اقصى درجة من الذوبان، ثم تقديمها قربانا للتبخر، ومن ثم نحصل على ذهن صاف فارغ تماما، الا من رغبة عارمة في الاكتشاف و تقبل الافكار الابداعية النادرة، ذلك ان الالهام لا يتأتى لعقل موهون من شدة الصراعات النفسية المضطربة. و قد نحسب الفيلسوف الانجليزي "برتراند رسل" على حق في قوله : "ان الفلسفات الكبرى و المكتشفات العظيمة و المخترعات و الاشعار الخالدة و القصص العالمية الواسعة الانتشار لم تصدر الا من عقول اناس تمتعوا بالفراغ"، و هو يعني فراغ الذهن من المشاغل و الهموم النفسية على حد تفسير الكاتب و المفكر اسعد ميخائيل في كتابه (سيكولوجية الالهام) الشخصيات البارزة يلجأون للاسترخاءاننا اذا توفرت لنا فرصة التعرف اكثر على الشخصيات البارزة ابداعيا في التاريخمثل المفكر الاسلامي محمد عبده و رفاعة الطهطاوي و بتهوفن و نيتشه و غيرهم، سنجد انهم كانو يتحينون الفرص و يهيئون الظروف التي تتلائم و افراز ابداعهم، و ذلك بالدخول الهادئ المستريح الى عالمهم الخاص.. بعيدا عن توترات الحياة المهلكة للاعصاب و تشعبات المضنية للذهن. و هناك العديد من الدراسات و الابحاث التي تؤكد ان التركيز الذهني و حل المشكلات يضعف مع ازدياد التوتر و القلق مما يقلل من فرص استقبال الالهام الجيد. انظر الى تجربة الخليل بن احمد عندما اغضبه احد شعراء الفرس بمعايرته بانه لا يوجد لدى العرب قواعد للشعر، فجلس الخليل مستاءا اشهر كثيرة، لم لم يثمر خلالها اي فائدة تذكر، لكنه بعد فترة، و اثناء جلوسه في حالة من الصفاء الذهني بجوار قطان يطرُق القطن لتهيئته للاستخدام، انسجم مع ايقاعات الطرْق و وصل الى بحور الشعر التي نعرفها الان، و لعلنا نستطيع الجزم بانه لم يكن من السهل التوصل الى هذه الالهامات دون ان يطرد اولا كل ارهاصاته و آلامه الفكرية بشن اتهام العرب بعدم وجود قواعد للشعر، و لربما جاءت الطرد الآنفة غير متعمدة، بل جاءت قسرا كوسيلة من احدى وسائل العقل للدفاع عن حقه في الراحة و الاسترخاء و التخفف من المجهود المبذول، فكلنا يذكر لنفسه موقفا كان فيه مشغول البال بالبحث عن حلول ناجحة لمشكلة ما، لكنه بمجرد ان ينعب من التفكير في الظروف و الملابسات دون جدوى، يضطر الى الركون الى راحة ذهنية لفترة وجيزة من الوقت، و سرعان ما تأتي الحلول تتراقص في وداعة و لطف.. فيتسنى له العثور على انسب الحلول. ارتشف عسلا شهياان فكرة ذهن كالملح تتناسب طرديا مع فكرة روح كالاسفنج، ذلك اننا عندما نقوم بتبخير الملح المذاب مع همومنا و مشاغلنا و مشاكلنا فإننا نحصل في نفس الوقت على روح كلاسفنج في امتصاصها للإلهامات و الافكار الموحية، فما علينا بعد ذلك سوى صياغة هذه الافكار و الالهامات في صور و اشكال ابداعية مختلفة بحسب اختلاف الوسيط الذي اعتاد المبدع على اخراج ابداعه من خلاله، اذ لا يستطيع العبد ان يخدم سيدين في ذات الوقت، و على هذا فلا بد ان يتم تفريغ الذهن من كل متطلباته الضرورية و مشاريعه المكدسة و لو بصفة مؤقتة. و بذلك تتهيأ الروح لاستقبال و امتصاص ما يمنح عن طريق التأمل و التفكير الهادئ المتأن، فترتشف عسلا لذة للمبدعين، و تلك النتيجة لا تأتي الا من خلال الطمأنينة و الهدوء النفسي. يقول "كوني ماك" – لاعب البيسبول البارع : انه لو فاته الاغفاء و لو خكس دقائق قبل بدء المباراة لتولاه الاعياء، و تخلت عنه براعته بعد الجولة الخامسة على الاكثر. فكرة التخلص الآمن من التعصبغير انه من اللازم ان تصاحب جلسات الخلوة الذاتية حالة من الاسترخاء العضلي الذي هو باب التأمل، فالتخلص الآمن من التوتر و العصبية يعد من الوسائل المساعدة على استجلاب الشفافية و التوتر و جلاء البصيرة، و من المفيد ان تتم عملية الاسترخاء و الركون الى السلبية التامة تحت مراقبة محكمة و سيطرة كاملة من العقل، و لا تتم خفية دون ان يكون للوعي (نفسك العميقة) اي دراية بها، و الامر ليس صعبا.. فكل المطلوب هو ان تَستَلق بظهرك على سطح مستو، او على كرسي مريح، و تشرع في المرور بفكرك على كل عضلة من عضلات جسمك و تعطي لها الامر المباشر بالاسترخاء و الهدوء فحسب، و لا ضرر من تعطيل حاستي السمع و البصر اثناء الجلسة، و ذلك بان تغمض عينيك برفق و بطء شديدين و البعد عن الضوضاء و الصخب بقدر المستطاع، غير انه من الواجب اتباع طقوس اكثر صرامة من ذلك كله..و او ل هذه الطقوس : ان تغلق هاتفك المحمول و تخبر كل المقربين اليك بانك خارج نطاق الخدمة خلال جلسات الخلوة الذاتية.ثانيها : ان تمارس جلستك في مكان نظيف متجدد الهواء.ثالثها : ان يكون الضوء خافت و الظلام افضل.رابعها : التخلص من الملابس و الاحذية الضيقة.بهذا يصبح لديك الاستعداد الكافي لبدء جلسات تأملية مثمرة.وعليكم الابداع
|