06-04-2015, 10:46 AM
|
|
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 2,319
معدل تقييم المستوى: 11695242
|
|
الهروب
قبيح يطارد الجمال ، يركض خلفه ، يسعى للتخلص من قبح خلقته ، يصادق عمليات التجميل ، يهرب من التشوهات والأوجاع الجسدية والنفسية التي تخلفها عمليات التجميل ، ومن ثم يهرب من عمليات التجميل وكل أمر من الممكن أن يذكره بها ، لو أمعنت النظر بمن حولك ستجد بأن الكل قد حزم أمتعته معلنا الهرب وسأعرض بعض الأمثلة لذلك فمثلا هناك فتاة تشعر وكأنها محبوسة في منزلها ، وكيف لا تشعر وفي كل مرة تطلب فيها الخروج تقابل طلباتها بالتجاهل ، في حال تزوجت يا صغيرة ستكوني حرة في منزلك الجديد ، سيخرجك فارسك حيث تريدين ، هذا هو الغذاء الذي تغذي فيه الاسرة مسامع صغيرتهم ، يعاملونها كما لو كانت تنتظر الفرصة للتحرر من القيود وارتكاب حماقة ما ، تهرب هذه الصبية من مشاكلها وتكتشف في نهاية الأمر بأنها كبلت نفسها بقيود سميكة ، فالتفكير بالمشكلة وتعظيمها يوقعك دائما بمشاكل أعظم يقابل هذه الفتاة رجل مسن يصارع الفقر الذي نهش من جسده ومن جسد أسرته ما نهش ليبيع ما يباع وما لا يباع ، فقط ليهرب من الجوع والمرض ، لكن هذا المسن قد غفل عن نقطة مهمة وهي : من يتسول شفقة الناس مستغنيا عن كرامته لن يغادر قائمة البؤساء وإن فعل المستحيل ، فالغالبية الأن باتوا يحكمون عليك من خلال الصورة الأولى التي وجدوك عليها ، في حال غيرت من صورتك ستتغير معاملتهم لك لكن مهما فعلت لن تمحي نظرتهم الأولى .
نحن دائما نقييد أنفسنا بأفعال وأقوال وكل ذلك ليس لأجلنا إنما لأجل الناس ، فطبيعة الانسان التفكير بما سيقوله الآخرين عنه لا ما سيفرضه عليهم ، أعود وأكرر ؛ في هذا العالم الكل يركض ، يسابقون الزمن بعضهم يحاول وضع بصمة له ولا يكترث أي نوع من البصمات ستكون بصمته ، يحاول ألا يحزن ، يتخلص من حزنه بإخراجه من صدره دون أن يدرك بانه سيتقبل الناس الاستماع لحزنه في المرة الأولى ، وسيعتبرونه حزنا لهم ووجعا لمسامعهم في حال كرر الحديث عنه مرة أخرى ، لهذا قاربنا لا يتوقف عند صديق واحد لأنه يرى بأن إطالة التوقف عند أي غريب وإدراجه ضمن قائمة الأصدقاء يفقده قيمته ، فتجدنا نهرب من العدو لنرتمي بأحضان الصديق وبعد فترة يصبح الصديق عدوا وهكذا ، لذلك تلحف حزنك وارقد بسلام ، فالحزن ان خرج من قلبك سيكسرك ، سيفقدك قيمتك ، سيجعلك تترنح كفريسة تلفظ انفاسها الاخيرة ، دون أن يرحمها صيادها ، في حال أخفقت في ترويض أحلامك ساهم بترويض أحلام من تحب فالعظيم وحده من يتجاهل تحقيق احلامه ويسعى للأخذ بيد من لا يملك أي يد .
كما ذكرت الهرب هاجس يؤرق الجميع الكل يجري ، هذا العالم لا أعلم هل يدور بنا ام نحن من ندور به ، لكن ما أعلمه وما أدركه هو أننا نكره الثبات ، حتى الصفات النبيلة لا نلبث إلا ونستبدلها بصفات دنيئة ، فالتواضع نتوهم بأنه ذلة وهوان ونستبدله بتعالي متناسين بأنه لا يدخل الجنة من كان بقلبه مثقال ذرة من كبر .
يوجد من يفضل المواجهة على الهروب ، يواجه مشاكلة ، يتصدى لمخاوفه ، لكن مع الوقت مجد بأنه قد انهزم لمرض ما ، يستطيع كل منا اأن يواجه المرض وكيف لا يواجهه ونحن على يقين بأنه لكل داء دواء ، لكن في حال تحالف المرض مع الموت من الطبيعي أن يعلن الغالبية الهزيمة ، بعضهم يهرب من الموت للموت نفسه فالمجاهد في سبيل الله يعلم بأنه في حال قاتل لنصرة الدين ولإعلاء كلمة لا اله الا الله و مات سيرحل جسده و ستظل روحه وسيكون هو الرابح الأكبر من هذه الدنيا الزائلة .
جلست مع نفسي جلسة المحب وتبادلنا الحوار كعادتنا ، أخبرت نفسي بأنه على الفرد أن يسعى مهما اسودت الحياة بوجهه ، لترد علي قائلة : ما فائدة السعي وجمع المال إذا كانت حياتنا غير مستقرة ونهايتنا محتومة ؟
أجبت سؤال نفسي : الدنيا وأن عظمت بأعيننا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، ومن المفترض أن نهرب منها بالسعي في مناكبها ، ننشغل عن الأحزان التي تعترض طريقنا بمحاولة فعل خير تنعكس إيجابيا على نفوسنا ، النهاية محتومة لكن يفترض أن تكون هذه النهاية من كتابتنا .
سيف ماطر
|