بسم الله الرحمن الرحيم

سأدخل في الموضوع مباشرة دون مقدمات .. فأنا كأي عضو بسيط دخل لهذا المنتدى وغيره من المواقع المهتمة بالأفكار والمشاريع التجارية للبحث عن مشروع العمر الذي يحقق له الأمان المالي ويرتقي بمستواه المعيشي له ولأسرته .. لا أملك أي خبرة تجارية سابقة ولم يسبق لي أن فتحت محلا أو حتى استخرجت سجلا تجاريا .. لا أنا ولا والدي من قبلي ولا حتى إخوتي الذين تقاعدوا على راتب الوظيفة .. فعملي في مجال التقنية والبرمجة كان يحقق لي مستوى ممتاز من الدخل جعلني لا أستعجل في البحث عن مشروع أو فكرة تجارية .

وصلت لعمر 40 سنة وسددت كافة ديوني بفضل الله .. اتصل علي البنك (الإنماء) وقال لي الموظف كلمة جلست أفكر فيها بعمق : عزيزي العميل أنت الآن على مفترق طرق فقد شارفت على 40 سنة .. وهي فرصتك الأخيرة لتحصل على قرض عقاري جيد يضمن لك شراء بيت .. فكل ماتقدم بك العمر أكثر كل ماقلت فرصة حصولك على قرض عقاري وإن حصلت عليه بيكون طفس

فإما أن أأخذ قرض شخصي وأجازف بالتجربة في بناء مشروع تجاري وأخسر بالمقابل القرض العقاري أو أن أحصل على القرض العقاري وأضل مابقي من عمري رهينة للدين الذي قد يمتد إلى 25 سنة .. وبعد تفكير وتقليب واستشارات اتخذت القرار باستخراج قرض شخصي والمحاولة في مجال التجارة .. والأرزاق بيد الله .

أخذت دورة في الأسهم السعودية التي هجرتها منذ انهيار 2006 .. وقلت في نفسي أنني كنت جاهلا بأدوات التعامل مع السوق والتحليل الفني .. ثم رجعت بعد الدورة وأنا كلي ثقة بأنني سأنتصر هذه المرة فأنا أتبع مؤشرات وأرقام تحليلية مدروسة .. فخسرت خلال الست أشهر السابقة مايقارب 50% من القرض حقي .. فآمنت إيمانا قاطعا بعدها أن سوقنا لايكسب فيه إلا صاحب المعلومة أو صاحب النفوذ والسلطة فقط .. أما البقية فليسوا سوى وقود يحرق لإشعال السوق لاجتذاب المزيد من الضحايا .

في يوم من الأيام اتصل بي أحد الزملاء لمنزله وأخبرني بأنه قد تشارك مع أشهر طاقم في منطقتنا وجنسيتهم ( سوريين ) لافتتاح مطعم مشويات ..وطلب مني أن أقوم ببرمجة برنامج يقوم باستقبال الطلبات من العملاء وإرسالها إلى ( المطعم والحلويات ) ليتم تجهيز الطلب وإيصاله حسب اللوكيشن .. قلت له لامشكلة بادرس لك الموضوع .

رجعت البيت وقلت في نفسي لماذا لا أعرض عليه شراكتي في المطعم والحلويات .. فهو من أعز اصدقائي ومقرب لي منذ أيام الدراسة ولا أرى فيه إلا كل أمانة وصدق .. كما أن الطاقم الذي دخل معه كان من أشهر الناس في هذا المجال حتى شغلهم كان معروف ومميز من مجرد الطعم .. المهم عرضت عليه اليوم الثاني وقال باشاور شركائي السوريين .. وبعد يومين جاءني الرد بالموافقه وكدت أطير فرحا .. فلا مجال للندم أو الشكوك بيني وبين صديقي هذا ولامجال للخسارة مع هذا الفريق المحترف في إدارة المطاعم ... ولو كان الرد جاءني بالرفض لأصبت بإحباط لامثيل له لأنني بنيت آمالا كبيرة على هذا المشروع والشركاء المؤسسين له .

سألت الشركاء كم المبلغ المطلوب على كل شريك فأخبروني به وذهبت مباشرة للبنك وأخذتها بكيسها وعطيتها صديقي من على باب الشارع ومشيت .

كان موقعنا في أكبر مجمع للمأكولات والمخابز والحلويات .. وكان مميزا جدا بالإضافة لأنه أول مطعم دورين في منطقتنا والمنطقة المحيطة بنا .. وبدأ تأسيس المحل وتمديد شبكة الصرف والكهرباء والماء له .. وكان الشايب السوري هو مدير الإشراف على مراحل بناء المشروع وهو المخطط والمنفذ ولا أحد يكلمه أو يراجعه بقراراته فله مطلق الصلاحيات .. كنت أنا وزميلي ندفع فقط .. يطلب عشرة نعطيه عشرين وأقسم بالله بأنه طلب في أحد المرات مائة ألف وأعطاه زميلي ميتين ألف

استمر هذا الوضع 4 شهور كاملة .. ذهبت يوما إلى صديقي وقلت له : يافلان ما أدري عن علاقتك بالسوري وأبناءه .. لكن هل أنت موثق الفلوس اللي قاعد يصرفها بفواتير وإيصالات .. هل أنتم مخططين ميزانية للمشروع ومتابعين الرصيد للشركاء ؟؟ أخاف نطيح بعجز مالي ماحسبنا حسابه .. فرد علي وطمني وقال لاتخاف هذولي خبرة وأكيد حاسبين حساب كل شي .

ذهبت للشايب السوري وسألته نفس السؤال ولم يعيرني اهتماما .. بل قال مهونة إن شاء الله
ماحبيت أكون ملح في السؤال والمطالبة بالتدقيق المالي فأنا شريك جديد بينهما وما أبي أطلع بسالفة جديدة قد تفتح بابا من الشكوك أو المحاسبة بينهما .. فالتزمت السكوت والمتابعة فقط .

كنت ألاحظ كثيرا على السوريين أثناء مروري بالمطعم والحلويات عدم الرد على أغلب الاستفسارات التي أطرحها .. فعند سؤالي عن أي شيء يتعلق بالمحلات وكيفية بنائها وشروط البلدية والدفاع المدني وكيفية بناء الأفران والشوايات وخزانات الغاز لا أجد أي رد واضح .. يعني يقول لي : شو بدك بدوشة الراس .. هذي أمور متعبة وحكايتها طويلة فكنت أحملها على أنها احتفاظ بأسرار المهنة

المهم بعد شهرين إضافيين تم الانتهاء من تشطيب المطعم بالكامل ولم يتبق سوى نقل الكفالات للسوريين ثم شراء الأدوات والترخيص ثم الافتتاح !!
دقيت على شريكي فقال لي : الشايب السوري يبغانا في اجتماع ضروري .. فقلت له لا بأس .
مريت عليه ورحنا للسوريين بيتهم ثم خرج علينا بوجه مختلف وشايل كيس كبير جدا مليء بالأوراق !!
جلس بيننا ثم قال : احنا في كارثة كبيرة !!
ياساتر وش فيه يابن الحلال !!
قال المطعم والمحلات أكلوا كل الفلوس اللي حطيناها ولسا يبغى لها زود !!!!!!
يعني عجز مالي !!!
كيف ياولد يعني ماحسبتوا حساب الأمور من أول ونظمتم الميزانية ...الخ
قال فيه شركاء مادفعوا اللي عليهم !! فالتفت لصديقي وقلت له دفعت اللي عليك ؟؟ قال باقي علي شوي .. بس السوري بنفسه ماجاني منه ريال واحد .. فرد عليه السوري وقال أنا كملت اللي علي وهذي فواتيري ودفعت فوقها من جيبي أكثر من 200 ألف لازم ترجعونها لي!!

يعني فوق العجز المالي وتوقف المشروع طلعنا مديونين بعد !!
المهم بدأت تتكشف الأمور في ذلك الاجتماع .. واتضح لي بأن صديقي والشايب السوري كان التعامل بينهم خيطي بيطي .. لاتوثيق ولا حساب للدفعات .. ولا أوراق ولا حتى حسبة بسيطة للفلوس اللي تم صرفها على المشروع وكل واحد منهم يلقي باللوم على الآخر في إهمال الأمور المالية وكل واحد يتهم الآخر بأنه لم يكمل حصته في الشراكة حتى وصلت المسألة بينهم للتخوين ... المهم بأنني الوحيد اللي على نياتي اللي درعم للبنك من أول يوم ودفع كامل حصته في بداية المشروع .

طالت المسائل وتعقدت وتم استدعاء محاسبين وأصبح السوري يتواصل معي ويدعوني لمنزله بعد الفجر ويحاول أن يملأ قلبي على صديقي لكي أطالبه بالخروج من المشروع ومايبقى فيه إلا أنا والسوري .. فرفضت رفضا قاطعا : صديقي مابعته أيام الجهالة بالمدرسة لأبيعه اليوم وأنا بآخر عمري .

ثم قلب الموجه وبدأ يمارس نفس الأسلوب مع صديقي لإخراجي ولكن حصل على نفس الرد .. وبعد عدة محاولات فاشلة قال لنا بالحرف الواحد إما أن تبيعوني المطعم وتخصمون حق الفواتير اللي دفعتها من قيمته .. ولا باترك لكم المطعم والمحلات وأنسحب من المشروع وأنتم دبروا أعماركم .. حتى رد بطحاء ماتعرفون تجيبونه منين

ساعتها عرفت ليش هالسوري وعياله ماكانوا يجاوبون على أسئلتي .. وكانوا قدر الإمكان يحاولون إخفاء خطوات العمل والبناء علينا .. المهم أنها كارثة مابعدها ويعلم الله ماكنا نعرف فعلا نسوي أي شي فقد كنا شادين الظهر بوجودهم ومعتمدين عليهم .. وخروجهم هو قاصمة الظهر بالنسبة لي ولشريكي فلا نملك أي خبرة في المطاعم والمحلات ولا إدارة العمالة ولا التنظيم للمشاريع أو التخطيط لها


انتهت الحلقة الأولى وسأوافيكم بالحلقة الثانية قريبا جدا
لمحة عن الحلقة الثانية : استيعاب الصدمة - محاكم وقضاء - البحث والسؤال - استغلال الأجانب - اقتراب الإيجار الذي لانملك ثمنه - قيمة الأدوات التي تصل ل 400 ألف ريال