21-11-2016, 10:37 AM
|
|
مراقب عام
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2006
الدولة: Dammam
المشاركات: 137,744
معدل تقييم المستوى: 21475148
|
|
هل سترتفع معدلات البطالة؟
بداية؛ للإجابة على عنوان المقال: نعم سترتفع، ويكفي القول إنها خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، سجلت أعداد العاطلين عن العمل من السعوديين ارتفاعا بلغت نسبته 7.2 في المائة (5.6 في المائة للذكور و10.2 في المائة للإناث)، ليستقر معدل البطالة بين السعوديين والسعوديات (694 ألف عاطل وعاطلة) عند أعلى مستوى له منذ 2011.
تمثل قضايا توطين فرص العمل أحد أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني ولا تزال، ويبدو أنها قياسا على الظروف الاقتصادية والمالية السائدة الآن، وقياسا على ضعف النمو الذي يحققه القطاع الخاص وقد يستمر في أدائه دون المأمول لعدة أعوام قادمة، أقول قياسا على كل تلك المعطيات، يظهر حتى تاريخه أن البطالة بين السعوديين في طريقها للصعود أكثر، وتحولها في الوقت ذاته إلى نمط من التحدي أكبر وأعقد.
إننا نجني اليوم وغدا "حصاد" ما زرعناه بالأمس، طالما كان الحديث عن مسببات البطالة طوال العقد الماضي هو العنوان الرئيس لكثير من الطروحات، وطالما كان انتقاد برامج التوطين الأخيرة التي بدأت تحديدا مطلع 2011، وكونها ستزيد من تعقيد وصعوبة توطين فرص العمل لا حلها، لما حملته ولا تزال من عيوب وثغرات بالغة الخطورة، وأنها ستسهم في زيادة الاستقدام والاعتماد الأكثر إفراطا على العمالة الوافدة، وكيف اخترقت منشآت القطاع الخاص ثغرات برامج التوطين الأخيرة، عبر بوابة "التوطين الوهمي" أو "السعودة الوهمية"، التي فتحت الأبواب على مصاريعها أمام تلك المنشآت حال دخولها النطاق الأخضر "تحقيق معدلات السعودة المطلوبة"، لتحصل على ما تشاء من تأشيرات الاستقدام! وهو ما حدث فعليا خلال سنوات برامج التوطين، بتمكينها من استقدام أكثر من 7.6 مليون عامل وافد خلال 2011-2015، ولنتحول في الوقت الراهن من مواجهة تحد واحد تمثل في البطالة بين السعوديين، إلى مواجهة أكثر من تحد، أولها التحدي القديم الجديد "البطالة"، وثانيها التحدي الجديد الذي أنتجته برامج التوطين "السعودة الوهمية"، وثالثها "ضعف القطاع الخاص" الذي تراجع معدل نموه الحقيقي لما دون 0.5 في المائة، ودخوله مرحلة أكثر صعوبة في التخلص من توظيف جزء من العمالة الوطنية التي قام بتوظيفها، بعضها وظائف حقيقية، والبعض الآخر منها وهو الأكبر عددا وظائف وهمية.
هل حل الخروج من الورطة الراهنة بيد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فقط؟ أم بيد هيئة توليد الوظائف فقط؟ أو كليهما فقط؟ الإجابة المستندة إلى نظرة أكثر شمولية حول حيثيات وأسباب البطالة لدينا تقول حرفيا "لا"، وهي الإجابة ذاتها التي طالما وضعت أمام وزارة العمل سابقا، خاصة في مطلع بدئها تطبيق برامج التوطين الأخيرة التي ما زال العمل بها ساري المفعول، وذلك لسبب بسيط جدا، لكنه لب وجوهر الداء "البطالة" وغيرها من التحديات التنموية التي نواجهها جميعا، المتمثل في جثوم كثير من التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الوطني، وتحديدا لدى منشآت القطاع الخاص، سبق الحديث مطولا عنها وتحديدها بالتفصيل، وأنه لا مجال لتجاوز تلك التحديات أو التشوهات بمعنى أدق، وصولا إلى أي أهداف تنموية مشروعة، دون أن تتم معالجة وإصلاح تلك التشوهات الهيكلية، لكن وقعنا بكل أسف تحت تخدير النتائج السريعة أو الوهمية بمعنى أدق لبرامج التوطين الراهنة، واليوم نقف وجها لوجه مع ما تم التحذير من مواجهته مسبقا، وقد يكون أكبر وأسرع حتى مما تصورناه جميعا.
إن من أهم ما يجب العمل عليه في الفترة الراهنة، البدء العملي لا مجرد الوعود أو الأقوال في دعم بيئة الاستثمار المحلية، وتشجيع رؤوس الأموال الوطنية نحو تأسيس مزيد من المشاريع الإنتاجية، وتسهيل الطريق أمامها بكل ما أوتينا من إمكانات وقدرات وموارد، وأن تبادر الدولة قبل غيرها في ضخ رؤوس الأموال بالمشاركة مع القطاع الخاص، وهو ما يعني التركيز الأكبر لتوجيه الثروات والأموال نحو الداخل الاقتصادي المحلي، عوضا عن الخروج بها إلى الأسواق الخارجية، وفي رأيي - خاصة في المرحلة الراهنة - أن تأسيس عدة مشاريع وطنية ومحلية له أهمية بالغة. والمسألة هنا تحكمها الأولويات التنموية، والضرورة القصوى لترسيخ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الداخلي، قبل النظر إلى أولويات متأخرة الترتيب تتركز فقط على الجانب الاستثماري وخلافه.
سيلعب تأسيس المشاريع محليا أدوارا جوهرية وعديدة، تنطلق عوائدها المختلفة وإن أتى بعض عوائدها الاستثمارية خلال أول عشر سنوات دون المأمول، إلا أن عوائدها الاقتصادية والاجتماعية ستكون مصدرا بالغ الأهمية في الأجلين المتوسط والطويل، ويكفي القول إننا في سياق المقارنة بين أهمية العائد الاقتصادي والاجتماعي من جانب، والعائد الاستثماري من جانب آخر، إن العائد الأول بتحققه كاف جدا لامتصاص أية سلبيات لعدم تحقق العائد الآخر، بينما لا ولن يجدينا أبدا أي عوائد استثمارية خارجيا مهما بلغت نسبها مئويا، مقابل تحملنا خسائر طائلة اقتصاديا واجتماعيا في الداخل. لعلنا نستدرك فيما بقي من وقت ليس بالطويل، بالاعتماد على ما بأيدينا من موارد وفرص وإمكانات متاحة بعض ما فاتنا سابقا، والعمل من جديد تحت مظلة "رؤية 2030" على إعادة ترتيب الأولويات التنموية، ووضعها في مرتبة أكثر تقدما مقارنة ببقية الأولويات الأخرى، ليس فقط لأجل مواجهة معضلة "البطالة"، بل أيضا لإعادة إخراج هيكل الاقتصاد الوطني بأكمله على وجه وعمق أكثر تنوعا وصلابة واستقرارا. والله ولي التوفيق.
الكاتب : عبد الحميد العمري
__________________
ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما
|