ابراهيم القربي (جدة) منصور الشهري (الرياض)
مثل عصافير بريئة تبحث عن شجرة تحط عليها همومها وتلقي على أفرعها عصا الترحال والشتات هكذا هو حال الاطفال الذين يأتون ثمرة لزواج رجال سعوديين من نساء اجنبيات أو العكس من دون تصريح ورغم التعليمات الصادرة من الجهات المختصة بضرورة حصول المواطن السعودي على تصريح عند الرغبة في الزواج من مقيمة أو من خارج الحدود لأسباب كثيرة لها أهميتها ووجاهتها الا أن البعض يسير عكس التيار ويجني على نفسه وعلى اطفاله حينما يرتبط هكذا عشوائياً بدون تصريح مع شريكة حياته حيث نجد أن الزوج مع احتفائه بالارتباط ينسى ما سوف تترتب عليه هذه الزيجة في حالة ولادة ذرية حيث يجد نفسه في مواجهة واقع لم يقرأ حساباته جيداً.
اذا نظرنا الى آليات الزواج بدون تصريح نجد أنه تترتب عليه آثار وعواقب وخيمة لا تحمد عقباها للمتزوج خاصة وللمجتمع بصفة عامة.
ونظراً للسلبيات المتعلقة بعباءة وثوب زفاف هذا النوع من الزيجات فإن السؤال «القضية» الذي يعلن عن نفسه هو لماذا نجد أن البعض يخالف التعليمات ويقوم بالارتباط بدون تصريح؟ وما الآثار السلبية المترتبة على ذلك؟ الحلول المناسبة لوقاية المجتمع عامة والشباب خاصة من آثار مثل هذه الظاهرة؟

قصص موجعة
ولأن سلبيات هذا الزواج تطل بين الحين والآخر ولها ضحاياها وهم الاطفال فإن ثمة قصص تغرد اجنحتها بدون رتوش لرجال تزوجوا بنساء اجنبيات بدون تصريح وفي نهاية المطاف اكتشفوا مدى الخطأ الذي وقعوا فيه وكيف ان حكاياتهم الدامعة هي ابلغ ترجمة يمكن ان تقدم على «كراسة» الشفافية لكل من يفكر مستقبلاً للارتباط بدون تصريح، كما نستند على آراء قانونية ورسمية حول سلبيات هذا النوع من الزواج وعن كيفية الحلول الجذرية لأحتواء مثل هذه الزيجات.

قضية شائكة
وتشير الحيثيات الى ان ابلغ ترجمة لاخطاء الزواج بدون تصريح حدثت مع المواطن «ن،م» الذي سبق وان تزوج من مقيمة بدون تصريح وقد وعدها بالحصول على موافقة رسمية بعد الزواج ولكنه لم يف بوعده واثمر الزواج عن ابنتين وتمادى الزوج في علاج الخطأ بالخطأ وذلك حينما قام باضافة الطفلتين في بطاقة العائلة على أنهما من زوجته الأولى لتكتشف الزوجة الأجنبية ذلك الخطأ وتشكو الزوج الذي تم توقيفه بتهمة التزوير ولازالت القضية متداولة في المحكمة حتى الآن.

بنت بدون هوية
ولا تختلف قصة سعد 55 عاماً عن الحكاية السابقة الا في تفاصيلها حيث أنه سبق وأن سافر الى دولة عربية وهناك تعرف على احدى الاسر وتزوج واحدة من بناتها واثمر الزواج عن طفلة صغيرة ولكن الأب طلق الزوجة وعاد الى المملكة، ونشأت الأبنة بدون هوية غير أن الأب عاد الى رشده أخيراً واعترف ببنوة الطفلة وتمت اضافتها اليه بعد سلسلة من الاجراءات التي ما كان لها أن تكون لو أن هذا الرجل كان قد حكّم عقله قبل أن يرتبط بتلك المرأة.

اعتراف بالخطأ
ويصف باسل أحد رجال الأعمال الشباب ارتباطه قبل سنوات بسيدة من جنوب شرقي آسيا بالتجربة المريرة التي عانى منها كثيراً وعن ذلك يقول: كنت في رحلة تجارية لعقد صفقة لتوريد ملابس جاهزة وقد مكثت في الدولة محل منشأ البضاعة عدة أشهر وهناك تزوجت بإحدى النساء رغم معرفتي بخطأ مثل هذا الاجراء وقد حدث ما لم يكن في الحسبان حيث حملت الزوجة ووضعت توأماً ولحظتها عرفت أنني وقعت في الخطأ ولم يكن هناك بد من الاعتراف بهذا الزواج حتى لا ينشأ ابنائي مشتتين بلا هوية ورغم الغصة التي حدثت لي من هذه الزيجة الا أن اعترافي بالخطأ هون علي كثيرا.
واذا كانت سيناريوهات الزواج من غير تصريح ستظل نقطة غير «مضيئة» في حياة البعض وتسبب لهم المشاكل فماذا يقول رجل الشارع عن هذه من الزيجات؟!
وفي لقاءات مع مجموعة من المواطنين في اماكن متفرقة أجمعوا انهم لا يؤيدون الزواج من غير تصريح مشيرين الى ان هذا النوع من الارتباط تترتب عليه الكثير من المشاكل.

تجاوز الأنظمة
ويرى مقيت المالكي ان الزواج بدون تصريح أمر خطير حيث أن فيه معصية لولي الأمر وتجاوز الأنظمة التي تنص على الموافقة من الجهات المعنية عند الرغبة في الارتباط بمقيمة أو امرأة أجنبية في الخارج.
وأضاف أن الابناء هم في الغالب الذين يدفعون ثمن هذا الزواج.

مصير مجهول
ويرى هادي خماشي ان المصير المجهول ينتظر الذين يتزوجون بدون تصريح، واضاف: ان هناك مواطنا تزوج من امرأة غير سعودية دون الحصول على اذن بالزواج حيث كان على أمل الحصول عليه غير ان ذلك لم يحدث وتوفى الزوج مخلفا ابنا لا يعرف ماهو مصيره ليبقى معلقا..وتابع: ان اشكاليات الزواج من غير تصريح يقع ضحية لها الابناء بسبب آبائهم الذين اختاروا ذلك برغبة منهم متجاوزين الانظمة والتعليمات التي نصت عليها وزارة الداخلية.
ويرى سلطان الذيابي ان الزواج من غير تصريح تترتب عليه مشاكل على المدى البعيد خلو ان شباب الوطن تزوجوا من بناته لكان خيراً لهم ولكن في الوقت نفسه على الاسر ان تسهل للشباب امور الزواج وتستأصل غلاء المهور.
ويروي سالم فواز قصة شاب جامعي يعمل بوظيفة مرموقة كان قد فكر في الارتباط بفتاة من دولة عربية مجاورة وقدم لاخذ تصريح للزواج منها غير ان اوراقه حفظت لوجود اسباب وجيهة تمنع حصوله على التصريح وساعتها لم يفكر هذا الشاب في عواقب الزواج من غير تصريح فارتبط بتلك الفتاة ولم يتمكن من استخراج التصريح الامر الذي ادى الى عدم التحاق ابنائه بالمدارس.
ولا يؤيد فهد الزهراني الزواج من غير السعودية ويقول: في ذلك ان الشروط اللازمة لمنح تصريح للزواج من امرأة اجنبية من الاهمية بمكان نسبة لما يترتب عليها من اشكالات في المستقبل.

اطفال بدون هوية
وخلف كواليس الزواج من دون تصريح تنهض الكثير من الاشكاليات النفسية التي تطال الابناء والذين يجدون انفسهم بدون هوية ولا كيان وقد لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس اذا كانوا في المملكة ولم يقم الأب بتصحيح اوضاعهم.
ووفقا للاخصائية الاجتماعية بالرعاية الصحية الاولية بجدة نادية زكي فان مثل هذا النوع من الزيجات تكتنفه الكثير من المشاكل والعقبات بسبب اختلاف العادات والتقاليد والبيئة حيث ان الطرفين مهما حاولا التغلب على هذه النواحي فان ثمة تصرفات احدهم والتي تنعكس على حياتهما قد تؤدي الى شرخ كبير وهنا تبدأ المأساة خاصة اذا كان بينهما اولاد لذا فانه قبل الاقدام على الزواج فان على الفرد ان يفكر في عواقبه ويحكّم عقله حتى لا يدفع ابناؤه الثمن ويصبح نادما طيلة عمره.

من اسباب العنوسة
ولأن الزواج من الخارج اصلا تترتب عليه الكثير من المشاكل والاضرار فان وزارة الداخلية سبق وان قدمت دراسة عن هذا النوع من الزواج وفي هذا الصدد كان مدير عام العلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية الدكتور سعود صالح المصيبيح قد صرح ان الدراسة توصلت الى بعض النتائج عن الزواج من الخارج منها الزواج من الخارج بسبب قوي ومباشر من اسباب العنوسة وبروز هذه الظاهرة في المجتمع.
الزواج من اقوى اسباب التأثز والتأثير في مجال التكوين الثقافي والبناء الاجتماعي.
الخلافات الزوجية التي يعقبها الطلاق وترك الاطفال بدون هوية ولا نفقه.
سفر الزوجة الاجنبية باطفالها السعوديين للخارج.
- يتحمل المواطن السعودي تكاليف باهظة قد لا تكون في حسبانه عند الاقدام على الزواج من الخارج.
- تدني مستوى الكثير من الفتيات المرغوب الزواج منهن اذ يمثلن الطبقة الدنيا في المجتمع.
- نظرة المرأة الاجنبية المتزوجة من سعودي لزوجها نظرة مادية بحتة.
- تغيير التركيبة السكانية اذ ان اتجاه بعض المواطنين للزواج من اجنبيات يزيد البيئة السكانية خللا واضطرابا ليس على المدى القريب فحسب وانما يمتد الى اجيال اخرى.
وبين هذا وذاك اشار تقرير الى ان عدد المواطنين المتزوجين من غير سعوديات في العام 1423هـ بلغ «3760» مواطنا فيما بلغ عدد الاولاد نتيجة لهذا الزواج 1104 اطفال منهم 838 ذكور ولأن كل الزيجات تمر عبر بوابة المأذون الشرعي فقد اوضح الشيخ علي المالكي المأذون الشرعي ان المأذون مختص في اجراء عقود النكاح للسعوديين فقط اما اذا كان احد طرفي العقد غير سعودي فان هناك قسما مختصاً في جراء العقود يسمى بالضمان والانكحة بالمحكمة حيث يجب ان يوثق العقد من المحكمة.
واضاف ان الارتباط بدون تصريح من اكثر القضايا الموجودة والابناء هم الضحية .

غلاء المهور
ومن اجل معرفة الرأي القانوني حول هذا النوع من الزواج وكيفية وضع الآليات الكفيلة بالقضاء عليه يتحدث هنا المحامي والمستشار القانوني زهير احمد مفتي والذي اوضح ان هناك اسبابا تؤدي الى هذا النوع من الزواج العشوائي وهي غلاء المهور في مجتمعنا وارتفاع تكاليف الزواج حيث من المتعارف عليه في اغلب الاوساط السعودية غلاء المهور الى درجة المبالغة ناهيك عن تكاليف الزواج لدرجة ان تكاليف «ليلة العمر» في بعض مناطق المملكة تكفي لتكاليف ثلاث زيجات في بعض الدول.
واستطرد ان اهل العروس دائما يقومون بتحميل كاهل العريس بطلبات كثيرة من اثاث وذهب وخلافه مما يجعل البعض يرتكبون خطأ الزواج بدون تصاريح.

اسباب وجيهة
وتابع المستشار مفتي ان الجهات المختصة في المملكة تشدد في الشروط اللازمة لمنح تصريح زواج السعودي من اجنبية وذلك لاسباب كثيرة لها اهميتها فهي من ناحية تعمل على المحافظة على النسل في المملكة وعدم اختلاط الانساب للمحافظة على تقاليدنا ومن ناحية اخرى لو فتح الباب على مصراعيه لمنح تصاريح الزواج من اجنبيات لادى ذلك الى عدم زواج الفتاة السعودية بسبب غلاء المهور.
واستطرد ان الزواج من اجنبية بدون تصريح فضلا عن كونه مخالفة للتعليمات فانه يحمل في طياته اشارات الخطر لما يترتب على هذه الزيجة من مشاكل اجتماعية جمة منها على سبيل المثال لا الحصر انها تؤدي الى ولادة اطفال في المجتمع لا هوية لهم بسبب عدم اكتمال الشكل القانوني للزواج وبالتالي فان هذا ينتج عنه فئة من الناس ليس لهم هوية معلومة او كيان قانوني مما قد يؤدي في النهاية الى تشرد هؤلاء الاطفال الذين لا ذنب لهم سوى تحمل اخطاء ابائهم في مخالفة التعليمات وفي نفس الوقت تحمل اخطاء مجتمع كامل اعتاد على المغالاة في المهور ورفع تكاليف الزواج لدرجة تفوق طاقة معظم العرسان.
هذا النوع من الزواج يؤدي الى انخراط نساء اجنبيات في مجتمعنا يختلفن في تقاليدهن عن العادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع السعودي.

حلول مقترحة
ومن وجهة نظر المستشار مفتي فان الحلول المقترحة لاحتواء مثل هذه الزيجات يكمن في ابداء المرونة من اولياء امور الفتيات والتيسير على الشباب لإكمال نصف دينهم حتى لا يفكر الواحد منهم في الارتباط بزوجة اجنبية وقيام أئمة المساجد والخطباء بضرورة توعية الشباب من فائدة واهمية الزواج من المرأة السعودية لما فيه من الحفاظ على كيان المجتمع والعائلة السعودية والحفاظ على تقاليدنا والتوجيه بضرورة توفير فرص العمل للشباب حتى يتمكنوا من توفير ادنى مقومات الحياة له ولاسرته.
وعلى صعيد آخر اشار المستشار القانوني علاء يماني الى ان الزواج من دون تصريح هو زواج ليس معترفاً به امام مؤسسات الدولة لكنه في الواقع زواج شرعي طالما اتبع الطرق الشرعية في الاعلان عن الزواج.
واستطرد: ان هذا النوع من الزواج من الصعوبة الشعور فيه بالاستقرار الاجتماعي والنفسي رغم انه لا يسقط الحقوق الشرعية المشتملة على الحضانة والنفقة والميراث.. واضاف: ان هذا النوع من الزواج قد يعقبه بعض المشاكل التي يذهب ضحيتها الابناء في حالة عدم اثبات نسبهم وانكار الطرف الآخر له خاصة اذا تم الزواج بعيدا عن اناس قد يشهدون في الحال اذا استدعى الامر.