19-06-2020, 12:29 AM
|
عضو متواصل
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2020
المشاركات: 62
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
رد: بيان الأغاليط (1 ) أغاليط من تكلف في تأويل ( وترى الجبال تحسبها جامدة ..) على دوران الأرض خاصة
.
تابع :
قالوا : أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على أرض بيضاء مستوية كما في الصحيحين: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء، عفراء، كقُرصة النَقِيِّ، ليس فيها عَلَمٌ لأحدٍ) ،أي مثل قرص الخبز الأبيض، الخالص البياض، فأين هي الجبال حتى ينظر الناس إليها يوم القيامة؟ فهذا نص قاطع على أنه ليس في الآخرة جبال ولا وهاد، ولا قصور ولا بناء.
الكلام هنا في ثلاث نقاط : النقطة الأولى : هي أن هذا الأسلوب الذي في الآية لا يشترط وجود وحضور السامع في مكان وزمن حصول الأمر المُخبر عنه ، فهذا أسلوب وصف مشهد، وإخبار عن حال يُقصد به نقل السامع وكأنه يشاهد ما يُخبر عنه .
وهو موجود في أشعار العرب، ومثاله في القرآن قوله تعالى ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ) ومعلوم أن كل من يسمع ويقرأ القرآن من البشر لم يكن موجودًا في ذلك الزمن، ولكنه وصفهم ولفت أذهاننا ونقلها وكأننا نشاهدهم ، وقبلها ( وترى الشمس ) .
ومثاله في شعر العرب وهو كثير قول امرؤ القيس ( تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَـا ..... وَقِيْعَـانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُــلِ)
فكل من يسمع هذا البيت ينتقل فكره وذهنه لهذا المشهد، ولا يُشترط حضوره ووجوده في هذا المكان والزمان .
وأنا أقول : لا يُشترط ، فقد يحضر ويوجد وقد لا يحضر ! إذا اتضح لك هذا فانظر إلى النقطة الثانية :
لا يوجد في الحديث الذي ذكره المتكلف ما ينفي رؤية الناس للجبال، غاية ما فيه أنهم يُحشرون في أرض بيضاء لا جبال ولا أشجار فيها، ولكن قبل هذه اللحظة أو المرحلة هل عنده دليل على أن الناس و الجبال لا يجتمعان في هذا اليوم وأنه لا وجود للجبال يوم القيامة ؟ لا يوجد لديه دليل على هذا، بل الدليل ضده كما سيأتي
يوم القيامة يوم طويل وفيه أحداث وأحداث ، وللجبال في هذا اليوم حالات تكون كالعهن المنفوش وتكون كالكثيب المهيل، وتُسير ، ولا ندري عن المدة التي تأخذها كل حالة !
ولكن نحن نسأل هذا المتكلف هذا السؤال : قال تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) ألا تحتمل رؤية الناس للجبال ؟
قال بعض المفسرين من أهل اللغة قوله ( وحشرناهم ) بصيغة الماضي، دليل على أن حشرهم كان قبل تسيير الجبال ليروا هذه الأهوال .
فالحديث الذي ذكره هذا المتكلف هو مرحلة من مراحل هذا اليوم وهو بعد خلو الأرض من الجبال والأشجار
وفي صحيح البخاري ومسلم ( و النقل من صحيح مسلم ) :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}،
فالنبي عليه الصلاة والسلام هنا لم يعترض على الحبر بمثل الحديث الذي جاء به المتكلف ، ولم يقل له يوم القيامة ليس فيه جبال ولا شجر، بل أقر الحبر بما قال، وهذا يدل على وجود الخلق والجبال في لحظة من لحظات يوم القيامة، وليس كما يظنه هؤلاء المتكلفون أنه لا يجتمع الناس والجبال يوم القيامة ، وأنه لا جبال يوم القيامة .
فدل الحديث على أن يوم القيامة فيه وقتٌ تكون فيه جبال وأشجار، وأن الحديث الذي جاء به المتكلف مرحلة من مراحل يوم القيامة تكون بعد تسيير الجبال والأشجار وزوالها .
وكلمة ( تصديقًا له ) التي جاءت عن الراوي في هذا الحديث ، لها عند أهل السنة والجماعة موقع عظيم، فهي سلاح يشهرونه في وجوه المبتدعة .
فإن شغب أحد المتكلفين وقال بعض الروايات لا توجد فيها ( الجبال ) قلنا : الروايات توجد فيها ( الأشجار ) أو ( الماء ) ثم أن قوله ( سائر الخلق ) أو ( الخلائق ) لفظ يجمع! فعلى كل حال هو يخالف الحديث الذي استشهدتم به ، فلا دلالة لكم في الحديث الي استشهدتم به بانتفاء رؤية الناس للجبال في ذلك اليوم وغاية ما فيه أنها مرحلة من مراحل يوم القيامة .
بقي النقطة الثالثة ليست بالطويلة ولكن نتركها لاحقًا لأننا سنختم الموضوع بعدها .
لنا لقاء بمشيئة الله .
<
.
|