17-01-2009, 09:36 AM
|
عضو متواصل
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 74
معدل تقييم المستوى: 33
|
|
عرس ومأتم
د. خالد بن عبد الله المزيني
عرس فقهي ينعقد هذا الأسبوع 20-24 محرم 1430هـ، وبجواره يُقام مأتم جماعي كبير. أما العرس فهو المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي، في مكة المشرفة، وأما المأتم فهو على مرمى بصر الفقهاء المجتمعين، وفي كنَف من أكناف بيت المقدس، في غزة المباركة.
ما ينتظره المسلمون في أنحاء العالم من العلماء وأهل الحل والعقد الشرعي أن يقوموا لله قومة صدق، ويدبروا رأياً يفسح لهذه الأمة مخرجاً من نكباتها المتوالية، وإن لم يقم الفقهاء الأمناء على دين هذه الأمة بهذا الواجب فمن الذي يقوم به إذاً؟!
ليس مطلوباً أن تصدر مثل هذه المجامع العلمية فرماناً بإعلان النفير العام، وافتتاح الجبهات القتالية هنا وهناك للدفاع عن أهلنا في غزة المجاهدة! فهذا مشروع لم تتوفر الأمة على أدواته، وغاية ما يصنعه قرار انفعالي كهذا أن يقوم بتفريغ الشحنة العاطفية المحتقنة في النفوس، لا يلبث الناس بعدها أن يعودوا إلى شؤونهم وهمومهم اليومية وتنطفئ جذوة العاطفة، ونكون قد استفرغنا سهام الفتاوى الردعية دون فعل جاد على الأرض.
المطلوب إذاً العمل على محورين:
أولهما: السعي بكل وسيلة متاحة لوقف شلال الدم في الأرض المباركة، وهذا وإن كان صعباً إلاّ أنه أقل الواجب، وله وسائل متعددة، أهمها تعزيز الخطوط الخلفية لإسناد الجبهة الداخلية في أرض الرباط لضمان بقائها متماسكة، واستمرار تدفق الميرة والجهاز، ومما يُطلب من المؤتمر في هذا الإطار أن يؤكد على إسباغ الشرعية على أعمال فصائل مقاومة الاحتلال التي تمارس حقها بالطرق المتاحة المشروعة، وألاّ يُكتفى بالدعوة إلى الدعاء والقنوت، ولنعم الملجأ هو، بيد أنه لا يعلف خيول المجاهدين شعيراً:
ولي فرسٌ من نسلِ أعوجَ سابقٌ ولكنْ على قدرِ الشعيرِ يحمحمُ وأُقسمُ ما قصَّرتُ فيما يزيدني عـلواً ولكنْ عند مَن أتقدمُ؟ يعني هبْ أنني تقدمت، هل تحمي ظهري، وتسندني بالقول والفعل، أم لا؟ حتى لو عجزت الأمة عن التدخل المباشر، يجب ألاّ تعجز عن العجز نفسه، فإن أقل الواجب على من عجز أن يسند من لم يعجز.
وأما المحور الثاني فهو: أن يؤسس العلماء مشروعات مؤسسية لردم فجواتنا الحضارية، مؤسسات تكون ذات أهداف علمية واجتماعية تستصلح القلوب، وتبني العقول، وترمم الأخلاق، وتحارب الجهل والشرك والخرافة والتخلف والأمية، التي أوصلتنا إلى هذا المستوى المنحط، حتى إن شعوب العالم صارت ترثي لحالنا.
إن هذا الكلام قد لا يرضي غيرة بعض الفضلاء، الذين يطمحون إلى الحلول العجلى والتقليدية، وهو موقف نتفهم دوافعه تماماً، ونعلم أن الذي يحملهم عليه هو غيرتهم الدينية النبيلة، لكن ماذا لو كانت فورة العاطفة لا تفيد إلاّ مزيداً من الجراح؟ أو ليس من الحزم ألاّ نستفتح لشباب الأمة مطاحن جديدة، بسبب فتوى لم نحسب حسابها؟ يُقال هذا في عصر صار لا يتعاطى مع الحروب التقليدية، بقدر ما يدير الصراع بلغة إستراتيجيات الردع المتبادل.
والاعتراض التقليدي الذي يجيب به بعض المتعجلين على هذا الكلام: لو كان أهلك في غزة لم تقل هذا الكلام!
وهذا خلط لا منهجي بين مقام الفتوى ومقام الفعل، وهو اعتراض معيب شكلاً، اعترض به الفقيه ابن أبي ليلى على الإمام أبي حنيفة – رحمهما الله – فأجابه بجواب مفحم، حين قال له ابنُ أبي ليلى: أيحل النبيذ، وشراؤه، وبيعه؟ قال: نعم، قال: أفيسرك أن أمك نبَّاذة؟، فقال أبو حنيفة: أيحل الغناء وسماعه؟ قال: نعم، قال: أفيسرك أن أمك مغنِّية؟
والوجه في الجواب عن السؤال السابق أن يُقال له ما قاله خلف الأحمر: صحّح السؤال ليصحّ الجواب.
يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع المخذِّلون، ونتوجه إليك أن ترفع عن أهلنا هذا البلاء، وأن تربط على قلوبهم، وتنصرهم على من بغى عليهم، وما أنت بغافل عما يعمل الظالمون.
http://www.islamtoday.net/nawafeth/a...-40-106798.htm
|