05-03-2007, 01:46 PM
|
عضو سوبر
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2007
المشاركات: 476
معدل تقييم المستوى: 37
|
|
المرؤوس الشجاع
لا يوجد مدير في أي منظمة بلا مرؤوسين يتبعونه ويسيرون وفق أوامره بحكم سلطته ومنصبه مهما كانت طبيعة تلك الأوامر.. إلا أننا قد نجد من بين هؤلاء المرؤوسين العاملين في بعض منظماتنا الحكومية على وجه التحديد مرؤوساً يحترم ثقافة منظمته ولكنه قد لا يرضى عن بعض القيم السائدة فيها فيدعو إلى تغييرها إن أمكن دون أن يتحدى المديرين أو يستهين بأفكارهم.. أي أنه ينفذ تعليمات مديره بقدر ما يراها ضرورية لتحقيق الأهداف العامة.
ويختلف مع هذه التعليمات إذا رآها بعيدة كل البعد عن تلك الأهداف كما يحاول نشر القيم الجديدة التي يرى أنها ستفيد المنظمة وتثري ثقافتها بناء على المتغيرات التي قد تطرأ في البيئتين الداخلية والخارجية للمنظمة التي يعمل بها، وعليه يمكننا أن نطلق على ذلك المرؤوس ولو تجاوزاً ( المرؤوس الشجاع).
إن مفهوم الشجاعة في بيئة العمل يختلف عن مفهومها التقليدي فهي ليست مساوية للقوة والكرامة والاعتزاز فحسب، ولكنها الولاء والثقة والوضوح والصراحة أيضاً.
المرؤوس الشجاع له منهجه المستقل في تفكيره وسلوكه وتدبيره وفي تعامله الرسمي وغير الرسمي مع مديره المباشر... هذه الاستقلالية لديه نشأت من عدة منابع منها ثقته الكاملة بنفسه _ بعد ثقته بالله _ واكتفاؤه الذاتي في فهم عمله والجوانب المحيطة به، حيث نجده أقرب ما يكون للمستشار أو المرجع الذي لاغنى عنه لزملائه في إيضاح ما قد يشكل عليهم من أمور تتعلق بالعمل كما قد يستعين به مديره أحياناً في أصعب الظروف؛ إضافة إلى الشخصية الإدارية والاجتماعية الناجحة التي يتحلى بها ذلك المرؤوس وهذا يعني أن هذا النوع من المرؤوسين لا يمكن أن يلد ويبرز ويُعرف بشجاعته مع أول يوم تم تعيينه فيه بل لابد له أن يمكث فترة طويلة من الزمن في عمله حتى تتشكل معها شخصيته الشجاعة.
من جانب آخر فإن هذا النوع من المرؤوسين غالباً لا يكون مرغوباً لدى الكثير من المديرين الذين عادة لا يقبلون من يصارحهم ولا يريدون من يخالف أوامرهم أو يعارضها أو يناقشهم في أمور العمل مناقشة مباشرة لخشيتهم من فضيحة الهزيمة التي لا يسعى لها ذلك المرؤوس وقد لا تطرأ على فكره مطلقاً، يحدوه في ذلك تحقيق المصلحة العامة فقط .
إن المرؤوس الشجاع شخص بسيط وغير منافق لا يخاف إلا من خالقه ولا يملك مقومات الشجاعة العصرية من جاه أو وجاهة أو وجود من يسنده ويقف بجانبه إذا اشتدت الكروب سوى الله عز وجل .
المرؤوس الشجاع شخص يتحمل المسؤولية ويتحلى بمبدأي العدالة والأمانة، وينادي بأعلى صوته دائماً بمراعاة تطبيقهما في منظمته، وهو شخص يهابه رؤساؤه كما يحترمه ويقدره زملاؤه في العمل على الرغم من عدم استطاعتهم فعل ما يفعله بل دائماً ما يقفون مكتوفي الأيدي أمام ممارسات وضغوط مديرهم دون مواجهة منطقية أو عقلانية منهم تجاهه، لذلك يدرك المرؤوس الشجاع أنه ليس ظلاً لمديره وأنه يمتلك قوة خاصة به تجعله يعبر عن رأيه بالرغم من إدراكه لسلطة مديره؛ هذه السلطة التي يستأثر بها بعض المديرين في أيديهم ويحولون مرؤوسيهم إلى حطام تحت وطأة ممارساتهم التعسفية، فنجدهم لا يفكرون في منظماتهم ويفشلون في التعامل مع مرؤوسيهم وبالتالي فإن المرؤوس الشجاع شخص جريء ، والمرؤوس الجريء سوف يصبح في موضع القيادة مدير جريء أيضاً، وسيستفيد من تجاربه مع رؤسائه السابقين ويحاول ألا يكرر سلوكياتهم السلبية التي عرضتهم لانتقادات الآخرين بما فيهم مرؤوسيهم.
إن المرؤوس الشجاع شخص مخلص وفاعل ومؤثر في عمله، ويملك صفتي المبادرة والابتكار ودائماً ما يسعى بطريقة لبقة لحل مشكلة قائمة لم يتم حلها.. أو إشعار إدارته باقتناص فرص سانحة دون انتظار التعليمات أو أخذ الإذن بذلك لأنه لا يحتاج الإذن كي يفكر ما دام أنه يراعي الأهداف العامة لمنظمته التي تحكم سلوكه وسلوك مديره حيث يرى نفسه شريكاً في تحقيق تلك الأهداف.
المرؤوس الشجاع شخص يقوم بتنمية وتطوير ذاته ولا ينتظر من رؤسائه أن يسعوا لتطوير مستواه العملي إما بإلحاقه بالدورات التدريبية أو إشراكه بالندوات العلمية أو تمثيل منظمته في المؤتمرات المحلية والعالمية وغير ذلك من الحوافز التي قد تعزز الدافعية لديه لأداء العمل على نحو أفضل. لذلك فهو لا يخشى من تقييم رؤسائه لأدائه بشكل دوري أو سنوي وذلك لمعرفته بنفسه وبرؤسائه، ولعلمه بأن مثل ذلك التقييم أصبح هو الوسيلة الوحيدة التي قد يستغلها رؤساؤه للضغط عليه.. وهذا يعني أن عملية التنمية الذاتية لذلك المرؤوس تتطلب منه مزيداً من الصبر والاحتساب والقدرة على مقاومة مختلف الصراعات الداخلية التي قد تنشأ في مثل تلك الظروف.
وتأسيساً على ما تقدم فإن هذا المرؤوس الشجاع – وللأسف – لا تُعطى له حقوقه كاملة، ولا يسعى مديره لتمييزه إن لم يسع للتنكيل والإضرار به أو إزاحته إن كان قريباً من مرتبته خشية من أن يأخذ محله في الإدارة وهذا يعني أن مدير ذلك المرؤوس يؤمن في قرارة نفسه بعقلية وذكاء وفهم واستيعاب مرؤوسه الشجاع لطبيعة عمله إضافة لثقته الكاملة بانجازه لعمله الموكل إليه على أحسن وجه دون متابعة ومراجعة وتدقيق منه لما قام به ذلك المرؤوس بل قد نجد أن ذلك المدير لا يخشى من قيام ذلك المرؤوس بتعمد فعل أخطاء في العمل قد تكلفه (أي المدير) الشيء الكثير.
إننا بحق أمام مرؤوس يستحق منا الإشادة والفخر والتقدير فهو كالعملة النادرة الثمينة التي تستحق البحث عنها واكتنازها وإظهارها بأحلى وأجمل صورة وهو قدوة حسنة لكل المرؤوسين العاملين في المنظمات على اختلاف أنواعها .
وصفوة القول.. إن المرؤوس الشجاع في أي منظمة هو شخص مجاهد حمل لواء الصالح العام على كاهله صابراً يحارب رؤساءه لتحقيقه دون إراقة للدماء وهو بذلك لا ينتظر أجراً من أحد سوى من خالقه الذي يراه ويرقبه وحوله في ساحة المعركة رفاقه يؤازرونه ويؤيدونه، بعضهم يخشى حمل السلاح وبعضهم لا يعرف كيف يستخدمه والبعض الآخر بلا أيد ولكنهم جميعاً بلا أفواه ينظرون إليه بإعجاب، لذلك فالمرؤوس الشجاع إن كُتِبتْ له الشهادة فمعلومٌ قاتله وبذلك فهو يستحق منا الدعاء له في ظهر الغيب كونه الحافز الوحيد الذي قد يستفيد منه في دنياه وآخرته بعد أن حُرم من كافة الحوافز الدنيوية المستحقة.
أيها المرؤوس الشجاع في كل مكان. هنيئاً لك كثرة أحبابك وقلة أعدائك وحسادك وأدعو لك الرحمن أن يسهل لك الأمور الصِعاب ويلين لك القلوب الغِضاب، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير والله من وراء القصد أعلم.
__________________
|