رغم كل ما نسمعه عن عدم تأثر الكثير من مؤسسات وشركات القطاع الخاص في المملكة بتداعيات الأزمة المالية العالمية, إلا أن هناك الكثير من مواطني هذا البلد شاهدوا بأعينهم تأثيرات الأزمة في عشرات الشركات والمؤسسات التي يعملون بها ومنهم من باتوا بلا وظائف جراء تسريحهم بصمت تام من تلك الشركات والمؤسسات لتخفيض المصروفات التشغيلية دون أن يحرك أحد ساكناً.
قد يعتقد البعض ممن لم يطلع على مأساة مئات المواطنين الذين سرحوا من أعمالهم أن في حديثي مبالغة لكن الواقع يتحدث عن نفسه, ويمكن لأي جهة مهتمة بالأمر أن تجري مسحاً ميدانياً لتكتشف بنفسها أن عملية تسريح المواطنين من وظائفهم في القطاع الخاص قائمة على قدم وساق، وأن الضرر لا يقع على الموظفين الذين تم تسريحهم فقط، بل على أسر كاملة تقتات من الفتات الذي يتسلمه عائلهم آخر كل شهر .
نحن لا نستطيع أن نحاكم الشركات أو المؤسسات التي باتت على وشك الإفلاس على اتخاذ إجراءات صارمة للحد من نزيف الخسائر لكننا يجب أن نقف بحزم في وجه تلك الشركات التي قررت التخلص من مئات الموظفين السعوديين لمجرد خفض المصروفات التشغيلية، وبالتالي الإعلان عن أرباح سنوية بمئات الملايين بشكل تبدو معه تلك الأرباح أعلى أو مقاربة لأرباح السنوات الماضية, وهذا ما يحدث حالياً!
كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم إلمام الموظفين المسرحين بحقوقهم، نظراً لكون أغلبهم غير مقتنع بجدوى ملاحقة تلك المؤسسات والشركات قانونياً, لتقتصر ردة فعلهم على ندب حظوظهم، وحمل ملفاتهم (العلاقية) والبدء في رحلة جديدة للبحث عن وظائف أخرى.
إحدى الشركات الكبرى منحت موظفيها إجازة استثنائية (بدون راتب) لمدة ثلاثة أشهر على أمل أن تتجاوز حدة الأزمة التي تمر بها, أما إن لم تتجاوزها فهناك نحو 1800 موظف ينتظرون التسريح مرغمين.
مجموعة تجارية واستثمارية أخرى قامت بتسريح أكثر من 70 موظفا في يوم واحد من إحدى شركاتها مع أنه كان بإمكانها الاستفادة من خبراتهم وتوزيعهم على الشركات الأخرى التابعة لها التي ما زال باب التوظيف فيها مفتوحاً لكنها اتخذت قرار التسريح بعد أن رفض أحد مديري تلك الشركات استقبال هؤلاء الموظفين, وفضل توظيف كوادر جديدة لتغطية العجز في شركته علماً بأن ذلك العجز يبلغ أكثر من 200 وظيفة!
أحد الموظفين الذين طالهم قرار التسريح من تلك الشركة رفض تسلم خطابه وذهب إلى منزله وعاد ومعه أطفاله الذين اصطفوا بجوار بعضهم في منظر محزن ليسأل مديره بعد ذلك عن الطريقة التي سيسد بها رمق أولئك الأطفال.. لقد كان موقفاً مؤثراً بشكل كبير في جميع من حضروا الحادثة كما رواها لي أحدهم لكن ذلك لم يغير شيئاً في قرار التسريح!
إننا كما أسلفت لا نستطيع إجبار الشركات المفلسة على عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لخروجها من أزمتها، فتلك شركات قد أفلست، وانتهى الأمر, لكننا يجب أن نقف بالمرصاد للشركات غير الخاسرة التي استغلت الأزمة لتسريح موظفيها المواطنين, هذه الشركات عليها أن تعي جيداً أن هناك خيارات كثيرة لتخفيض مصروفاتها التشغيلية دون اللجوء لقرارات التسريح, وإن كان لا بد من تسريح بعض الموظفين، فلتسرح موظفيها الأجانب أو أولئك الذين تتعدى رواتبهم الشهرية مجموع رواتب مئات الموظفين في الشركة نفسها!

ربي يعين

يعطيك العافيه... دمتم بخير,,,